انطلق من مدينة البوكمال السورية عام 1966، ليترك بصمته في الأدب من خلال لغة رشيقة وبنية سردية تتجاوز التعقيد، لتصوغ ببساطة مؤثرة تلك اللحظات والقصص التي لا تُنسى. 

من أعماله البارزة التي تأخذ القارئ إلى أعماق التجربة الإنسانية والذاتية: "30 > 43" (قصص، 2009)، "استحواذ" (قصص، 2011)، "الـ O السلبي الأحمر والمشعّ" (قصص، 2012)، "القنفذ" (رواية، 2013)، "الحياة داخل كهف 'المرايا'" (قصص، 2016)، "الحياة داخل كهف 'الصور التذكارية'" (قصص، 2016)، "زجاج مطحون" (رواية، 2016)، "أرملة وحيد القرن" (قصص، 2019)، "خفّة يد" (رواية، 2020)، وأخيراً "العاوون" (رواية، 2022). 

وها نحن نقترب أكثر من رؤاه الأدبية وأفكاره الإبداعية، عبر هذا الحوار الذي يأتي ضمن سلسلة حوارات موقع "هِلات" بالتعاون مع "الرواية نت" مع المبدعين السوريين. هيا بنا لنقرأ ما يودّ إسلام أبو شكير مشاركتنا به حول تجربته الأدبية.

• متى وكيف بدأ شغفك بالكتابة، هل كانت هناك لحظة خاصّة، أو حدث فارق دفع إسلام أبو شكير إلى ولوج عوالم الكتابة؟

يصعب عليّ، كما على أيّ كاتب كما أظنّ، تحديد نقطة بعينها بدأت التجربة بها. اقتحام هذا العالم، عالم الكتابة، نادراً ما يأتي استجابةً لأحداث أو مواقف مباشرة. هو نتيجة عوامل كثيرة ومعقّدة: الأسرة، والجوّ المحيط، والمدرسة، والأصدقاء، إلى جانب الميول الشخصية الفطرية.. كل ذلك يتفاعل مع بعضه البعض، ببطء، وعلى مهل، وبطريقة هادئة غير محسوسة غالباً، ليجد الشخص نفسه في النهاية داخل هذا العالم..

الأمر جرى معي على هذا النحو.. أب وأعمام وأخوال مارسوا الكتابة (صحافةً، وروايةً، وقصةً، وبحثاً) وإن على سبيل الهواية لا الاحتراف، ومدرّسون يملكون قدراً لافتاً من الثقافة والوعي.. هؤلاء كان لهم الدور الأبرز في تقريب المسافة بيني وبين الكلمة، بحيث بدت لي أليفةً إلى حدّ كبير، فلم أشعر بغربةٍ بيني وبينها، لذلك كان التعامل معها فيما بعد سلساً، وطبيعياً، ولم يفاجئني أنّني أصبحت جزءاً من عالمها..

• بدأت بولوج عوالم الكتابة قاصّاً، ثمّ انتقلت إلى الرواية القصيرة (النوڤيلا)، ولم تتوقف عن كتابة القصّة القصيرة، كيف ترى أثر ما قلته في القصّة القصيرة على تجربتك في أداء رسالة الكتابة ك (مرسل) كاتب - أداة إرسال (القصة القصيرة) - (مرسل إليه) قارئ؟ وهل قدّمت تجربتك في كتابة النوڤيلا أثراً مختلفاً؟

إلى جانب خمس مجموعات قصصية فقد قدّمت حتى الآن ثلاث روايات قصيرة، وهنالك رابعة انتهيت من كتابتها منذ وقت قصير، ومع ذلك ما أزال متردّداً في تصنيف هذه الأعمال على أنها روايات. هي في مجملها تنتمي إلى عالم القصة، سواء من حيث بنيتها الفنّيّة، أو أدواتها، أو التقنيّات المستخدمة فيها، أو عوالمها وأجواؤها.. ولا أقول ذلك تعصّباً لفنّ القصة، وانحيازاً له، بل توصيفاً نقديّاً لما أكتب، وأتمنّى أن أكون محايداً وموضوعياً في هذا..

وبالعموم يجب أن أذكر أنّني لا أشغل نفسي كثيراً بهذه النقطة، فأنا لا أملك تصوّراً مسبقاً عمّا سيؤول إليه العمل الذي أريد كتابته، وفي معظم الأحيان أبدأ عملاً وفي ذهني أنّه سيكون رواية، وإذ به ينتهي بعد خمس صفحات أو أكثر أو أقلّ، فأتوقّف، ولا أضغط على نفسي بالاستمرار، بل أشعر بالسعادة لأنني عبّرت عمّا أريد.. وبالمقابل فهناك أعمال بدأتها وفي ذهني أنها ستكون قصّة من بضع صفحات، فتنتهي بمئة صفحة أو أكثر..

المعوّل عليه عندي هو الغرض من النصّ.. هل أدى النصّ هذا الغرض أم لا؟ أما الحجم، والجنس الأدبي، وسوى ذلك من قضايا فلا يهمني كثيراً..

• في معمارك الروائيّ تلجأ إلى خلق افتراض متخيّل، وتحوك حوله عوالم شديدة القرب من الواقع، مثلما فعلت في رواية (العاوون) عندما نسجت شخصيّة طفل ولد بجناحين وجعلته يعيش واقعاً يشبه الواقع الذي يعيشه الإنسان السوريّ، هل كنت تستخدم التجريب لتغيير موشور رؤيا الواقع، أم كنت تحاول تطعيم الرواية بنكهة الحداثة؟

التجريب شرط من شروط الإبداع، ولا أتصور عملاً ناجحاً أو جيداً لا يجرّب، أو يغامر.. والتجريب من وجهة نظري يعني البحث عمّا هو جديد، ومتفرّد، ومفارق، وغير مألوف.. وبهذا المعنى فأنا أحرص في نصّي على أن يحمل إضافةً ما، تبعده عما سبقه، وتؤهّله لأن يكون تأسيساً لخطّ لاحق سواء عندي، أو عند غيري..

هذا ما أسعى إليه، دون أن أزعم أنّني نجحت فيه، فتلك مسألة أتركها لغيري لكي يحكم عليها..

بالعودة إلى التجريب، فإنّ الخلط بين العوالم شكلٌ من أشكاله، وهناك أشكال أخرى بطبيعة الحال.. والخلط بين العوالم، لا سيّما عالمي الحقيقة والخيال، حاضر في (العاوون)، كما هو حاضر في الأعمال الأخرى، كما هو حاضر لدى كتّاب كثر غيري.. ما أفكّر فيه -ظنّاً مني أنه لصالح نصّي وهويّته- هو العمل على ترويض عالم الخيال، وإخضاعه، بحيث يبدو للقارئ وكأنّه الحقيقة أو الواقع. يبدأ العمل واقعيّاً تماماً، وينمو الحدث، ويتحرك إلى الأمام، مبتعداً عن الواقع شيئاً فشيئاً، ولكن دون أن ينقطع عنه كلّيّاً، وصولاً إلى المنطقة الملتبسة التي تنفتح على أحداث وأجواء فيها الكثير من الغرابة، وقد يستحيل رؤيتها واقعياً، وتظلّ في الوقت نفسه خاضعة لقوانين الواقع أو لجزء منها، لا سيما من جهة التزامها بمبدأ السببيّة في تطور الحوادث ونموّها..

هي لعبة أمارسها مع القارئ، فيها بعض المكر، لكنه المكر الفنيّ الذي يولّد أسئلة تتناسل، ويضيء مناطق بعيدة يصعب الوصول إليها عبر الأدوات المحكومة بشروط الواقع المحض..

• تبدو رواياتك مزيجاً بين الحس الساخر المتواري خلف لغة رصينة، وبين إيغال قلمك في ندوب الذات المتشظيّة للشخصيّة التي تعيش معاناة الهويّة، خاصّة في رواية (زجاج مطحون)، هل تعتقد أن السخرية الأداة الأمثل لإيصال مقولة النصّ النهائية؟

لا أريد أن أصادر حقّك في الخروج بأيّ انطباع في قراءتك لهذا العمل أو ذاك.. لكن مع (زجاج مطحون) لم ألمس هذا الجانب، جانب السخرية.. قد يكون موجوداً بالفعل، لكنني شخصياً لم ألمسه.. ومع ذلك فإن السخرية حاضرة في أعمال أخرى، وبإمكاني أن أشرح لك وجهة نظري في دورها وأثرها في إيصال مقولة النصّ كما ورد في سؤالك..

السخرية بلا شكّ أداة تعبير مهمّة، وهي في بعض صيغها وأشكالها تجسيد لحالة من الرفض، والرفض أحد الموضوعات الأثيرة لديّ، والتي يمكنك الوقوع عليها في معظم ما أكتب. هنالك دائماً ما يجب أن يتغير. الشخصيات لدي غير متكيّفة، ومسكونة بهاجس البحث عما هو مختلف. ولذلك تسخر من نفسها، ومن العالم المحيط بها. تلهث دائماً خلف حلم ضائع أو هارب، وقد لا يكون هذا الحلم واضحاً محدّداً متعيّناً على شكل هدف، لكنّ ذلك لا يلغي أهمّية السعي بذاته. قد يكون السعي هروباً، لكنّه مع ذلك فعل إيجابيّ، لأنّه يتضمّن موقفاً من العالم القائم. تأتي السخرية هنا لتعبّر عن هذه الحالة، حالة الرفض لما هو قائم، وهي بذلك تعبّر عن واحدٍ من أهم مقوّمات الإبداع، فالإبداع في النهاية حلم وتوق إلى ما هو أفضل وأجمل..

• مع أنّك تطعّم المسرود الحكائيّ بعناصر الرمز وآليّات التجريب وتقنيّات الحداثة، تبقى محافظاً على توهّج الحكاية وسهولة وصولها متحاشياً استخدام استعارات غامضة، هل ترى أن الغموض يخلق إشكالية في التلقّي عند القارئ؟

أنا لا أعدّ نصي غامضاً على الإطلاق. كل ما في الأمر أنه (وهذه وجهة نظر شخصية قد أخطئ أو أصيب فيها) نصّ لا يساير المتلقّي في توقّعاته. يعانده، ولا يلبّي متطلباته، ولا يخضع لمزاجه ورغباته. نصّ يكتب نفسه بإخلاص شديد لذاته، متنازلاً عن كلّ المكتسبات التي يمكن أن يحصل عليها في حال أراد إرضاء القارئ وحسب، وهي مكتسبات ليست قليلة بطبيعة الحال.. وأرجو ألا يُفهم ذلك على أنّه تعالٍ، أو حطّ من شأن القارئ.. على العكس تماماً، فما أقوله ينطلق من احترام شديد للقارئ، لأنّني في هذه الحالة أضعه ندّاً لي ككاتب، وأخوض معه معركة متكافئة ومتوازنة، فهو من جهته يحاول أن يسير بالنص في اتجاه، وأنا من جهتي أحاول أن أسير به في اتجاه آخر..

هذه العلاقة المتوتّرة بين نصّي وبين القارئ قد تخلق شيئاً من الالتباس، أو سوء الفهم، أو قد تولّد عسراً في الوصول إلى الدلالة، لكنّ الدلالة موجودة في كلّ الحالات، والنصّ ليس مغلقاً تماماً.. يحتاج الأمر فقط إلى قراءة تتفهّم حقّي في الخروج على التقاليد السائدة أو المتعارف عليها..

• هل تلجأ إلى استخدام أدوات خاصّة حين تشرع بكتابة نصّ جديد؟ وهل لك طقوس خاصّة في علاقتك مع طاولة الكتابة؟

أبداً.. المسألة عادية جدّاً.. جهاز كمبيوتر، وأفضّل الديسكتوب على اللابتوب، إضافة إلى القليل من الهدوء.. فقط.. لا أكثر من ذلك..

• هل ترى في الكتابة رسالة ذاتيّة؟ أم ترى أنها يجب أن تلعب دوراً تنويريّاً؟

لا أدري أيّ نوعٍ من الكتابة تقصد، لكن سأفترض أنها الكتابة الإبداعية التي أمارسها أنا: القصّة أو الرواية.. وفي هذه الحالة سأقول إنّني لا أحمّل الكتابة أيّ دور، على الأقلّ بالشكل المباشر.. لا أدّعي أنني أمارس الكتابة لأستكشف ذاتي أو أفهمها، ولا لأحرّر طاقات داخلها، ولا لأقدّم نفسي إلى الآخرين، ولا للاعتراف، ولا للتطهير، كما لا أدّعي أنني أمارسها بغرض التنوير أو التثوير أو أيّ غرض من هذا القبيل..

الموضوع ببساطة أنّني أكتب لأنني أحبّ الكتابة.. وأحياناً لأنّني لا أجيد عمل شيء آخر سوى الكتابة.. ومن يدري فلو تعلّمت الرسم فقد أترك الكتابة لأجله، وأنا حاولت أن أرسم، وتركت الكتابة لأجله شهوراً، لكنّني عدت إليها ثانيةً..

ومع ذلك يجب الإشارة إلى أن الكتابة تحمل هدفها في داخلها، إذ طالما كان النصّ مبنياً بطريقة يتوافر فيها على الحدود الدنيا من شروط الإبداع فهو يحمل قيمة ما، ويمكن أن يكون له أثر ما، وإن لم يكن الكاتب قد خطط لذلك مسبقاً، أو حتى قد وعاه..

• سيلاحظ القارئ أنّك تتعمّد التسلّل إلى رواياتك كشخصية مكتوبة وخاصة في روايتيّ (خفّة يد) و(زجاج مطحون)، هل تهدف إلى إقامة علاقة تشاركيّة مع القارئ، أم مع بقية شخصيّاتك الروائيّة؟

شخصياتنا في ما نكتب ليست من عدم. ما من شخصية روائيّة أو قصصيّة ليس لها مثيل واقعيّ، سواء أكان ذلك بشكل كليّ يصل إلى درجة المطابقة، أو جزئي لا يتجاوز حدود التشابه. وأنا جزء من الواقع. أنا مثل جاري، أو صديقي، أو زميلي، أو أي إنسان آخر ممّن تسلّلوا إلى أعمالي عبر الشخصيات فيها.. أنا أيضاً تسلّلت إلى هذه الأعمال، ووجدت فيها كما وجد فيها هؤلاء..

ورأيي أن الكاتب لا يستطيع أن ينجو من ذاته في أي نصّ يقدّمه. قد يحتال لإعدام ذاته في العمل، أو على الأقلّ مواراتها خلف صفات وأسماء وسلوكيّات بعيدة عنه في الظاهر، لكنّها عند التحليل العميق ستخرج من حالة الخفاء، وسيتمكّن القارئ من ضبطها وهي في كامل عريها، وهذا ما ينطبق عليّ، وإن كنت في بعض النصوص قد جاهرت بذلك، وأعلنته إلى درجة أنّني أطلقت اسمي على بعض الشخصيات، كما في (زجاج مطحون).. والمفارقة هنا أنّ الشخصية التي حملت اسمي في هذا العمل بالذات لا علاقة لها بي، ولا تشبهني، في حين إنّ شخصيات أخرى حملت أسماء مختلفة كانت هي الأقرب إلى شخصيتي..

• ما هي مشاريعك القادمة في الكتابة؟

أنهيت منذ وقت قريب رواية قصيرة أو قصّة طويلة، ولا أدري إن كانت قد اكتملت فعلاً، أم أنها تحتمل المزيد من المعالجة. إلى جانب هذه الرواية هنالك مسرحيّة كنت قد أنجزتها منذ سنوات، وظننت أنها قد اكتملت، لكنني عدت إليها مؤخراً، وأنا اليوم منشغل فيها فيما يشبه إعادة الكتابة.

 • هل ترغب بإضافة كلمة أخيرة فيما يتعلق بالواقع النقديّ في النصوص السوريّة وخاصّة في الآونة الأخيرة؟

أعتقد أن الوقت أصبح مناسباً لتخرج الكتابة النقديّة من حدود عروض الكتب السريعة التي تطلبها الصحافة، باتجاه القراءات التحليليّة التي لا تقتصر على الأعمال المفردة، بل تتجاوزها إلى الظواهر العامة، وأن تكون على مستوى التغييرات العميقة التي عاشتها التجربة الإبداعيّة في العقد الأخير..

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).