تزايدت التحذيرات من خبراء البيئة والمناخ حول المخاطر التي قد تشكلها بعض الحلول المناخية على التنوع الحيوي، وهي مخاوف تتزايد مع تبني سياسات غير مترابطة بين حماية المناخ والطبيعة. في حين أن الجهود الرامية للحد من التغير المناخي تهدف إلى تقليل الانبعاثات الضارة، فإن البعض منها قد يؤدي بشكل غير مقصود إلى تدمير النظم البيئية الحيوية، وهو ما يعكس الحاجة إلى اتباع نهج شمولي يوازن بين حماية المناخ وحماية التنوع البيولوجي.
تأثير السياسات غير المتكاملة على البيئة
وفقاً لعدد من الخبراء، فإن فصل القضايا البيئية عن بعضها البعض يمكن أن يأتي بنتائج عكسية. آن لاريغاودري، الأمينة التنفيذية للمنبر العلمي والسياسي الحكومي الدولي المعني بالتنوع البيولوجي (IPBES)، أوضحت أن "بعض الحلول التي تهدف إلى حل مشكلة مناخية معينة قد تؤدي إلى تفاقم مشاكل بيئية أخرى." وأضافت أن هناك حاجة إلى إيجاد توازن بين الحفاظ على المناخ والتنوع البيولوجي وتوفير موارد حيوية مثل المياه والغذاء والصحة. وقد سلطت الضوء على أن المنبر سيصدر تقريراً شاملاً في ديسمبر حول كيفية تحقيق هذا التوازن.
أمثلة من الواقع: جهود غير مجدية
أحد الأمثلة البارزة على هذا النوع من التحديات تمثل في مشروع زراعة الأشجار في المملكة المتحدة بهدف تعزيز خزانات الكربون. زُرعت الأشجار في مناطق رطبة كانت بدورها تخزن كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، ولكن زراعة هذه الأشجار أدت إلى تجفيف الأراضي الرطبة تدريجياً، ما تسبب في إطلاق الكربون المحتجز فيها، وبذلك انقلب الهدف الأساسي للمشروع على عكس ما هو مأمول. يوضح ريك ستافورد، رئيس لجنة السياسات في الجمعية البيئية البريطانية، أن "زراعة هذه الأشجار زادت من الانبعاثات بدلاً من تقليلها، مما يدل على خطورة الحلول المنفصلة."
هذا المثال يوضح أن الحلول غير المدروسة جيداً قد تأتي بنتائج سلبية غير متوقعة. على سبيل المثال، قد يؤدي استخدام تقنيات الهندسة الجيولوجية مثل حقن الحديد في المحيطات لزيادة إنتاج العوالق الدقيقة إلى آثار سلبية غير متوقعة على التنوع البيولوجي البحري، مثل الإضرار بصيد الأسماك وزيادة انبعاثات غازات دفيئة أخرى مثل أكسيد النيتروز، وفقاً لأستاذة في جامعة أكسفورد أليسون سميث.
أهمية تقييم شامل للحلول
من الواضح أن التركيز فقط على الحلول المناخية القائمة على تقليل انبعاثات الكربون قد يكون قاصراً. كما أوضحت مؤسسة أبحاث التنوع البيولوجي (FRB) في تقريرها لعام 2022، يجب تقييم التدابير المناخية بناءً على فوائدها ومخاطرها الشاملة، وليس فقط من منظور بصمتها الكربونية. مثال على ذلك هو تطوير طاقة الرياح كبديل للغاز والفحم، الذي يقلل من الانبعاثات الكربونية، لكنه في الوقت نفسه يسبب وفاة الطيور والخفافيش المهاجرة بمعدلات أعلى.
نفس الشيء ينطبق على بناء السدود لتوليد الطاقة الكهرومائية، الذي رغم فائدته في توليد الطاقة النظيفة، إلا أنه يعوق هجرة الأسماك ويؤثر على التنوع البيولوجي في الأنهار.
دعوات إلى اتباع نهج شامل
الخبراء يؤكدون على ضرورة اتباع نهج شمولي يأخذ في الاعتبار جميع العوامل البيئية والاجتماعية في الوقت نفسه. توماس أوليفر من جامعة ريدينغ الإنجليزية يحذر من الحلول المرتجلة، مثل تركيب "ستائر تحت الماء" لمنع مياه المحيطات الدافئة من إذابة الأنهار الجليدية، والتي قد تؤدي إلى آثار مدمرة على النظم البيئية البحرية.
العديد من الخبراء، بمن فيهم أليسون سميث، يدعون إلى ما يسمى "الحلول القائمة على الطبيعة"، وهي حلول تتميز بفوائد مشتركة للمناخ والتنوع البيولوجي والمجتمعات البشرية. هذه الحلول قد تشمل الحفاظ على النظم البيئية القائمة مثل الغابات بدلاً من محاولة إنشاء نظم بيئية جديدة. وتشير دراسة أجرتها مجلة Global Change Biology في عام 2020 إلى أن الحلول القائمة على الطبيعة كانت أكثر فعالية في 59% من الحالات مقارنة بالحلول الأخرى.
إمكانات التجدد الطبيعي
إحدى الحلول التي تحظى بتأييد كبير هي السماح للغابات بالتجدد الطبيعي. حسبما أظهرت دراسة نشرت في مجلة نيتشر في نوفمبر 2023، فإن حماية الغابات القائمة وتجنب تدميرها يمكن أن يساهم في التقاط حوالي 226 مليار طن من الكربون، وهو ما يعادل 61% من الإمكانيات المطلوبة لخفض الانبعاثات على المستوى العالمي.
بالتالي، تظهر الحاجة الماسة إلى رؤية شاملة تتكامل فيها السياسات البيئية مع الحلول المناخية، مع وضع التنوع البيولوجي في مقدمة الأولويات. دون هذا التكامل، قد تصبح الجهود المناخية، رغم نواياها الجيدة، مصدر تهديد للتنوع الحيوي الذي يعتمد عليه استدامة الحياة على الأرض.
0 تعليقات