توقع تحليل لوكالة رويترز "انهيار منظومات روسيا الاقتصادية" مع الوقت بسبب العقوبات، وقالت الوكالة إن روسيا "أمضت السنوات السبع الماضية في بناء منظومة مالية عملاقة، لكن من غير المرجح أن يصمد اقتصادها أمام العقوبات المنسقة من الغرب".
وقال كريستوفر غرانفيل، وهو مدير بشركة "تي أس لومبارد" للاستشارات، ومراقب للأوضاع في روسيا، إن "وجهة النظر التي تقول إن روسيا لن تتأثر (بالعقوبات) خاطئة. قد لا تشعر روسيا بالآثار السلبية مباشرة، لكن العقوبات ستعيق قدراتها على المدى الطويل".
وشملت العقوبات تجميد أرصدة بنوك ورجال أعمال روس، وتعليق مشروع خط الغاز "نورد ستريم 2"، الذي يمتد إلى ألمانيا، والذي بلغت تكلفته 11 مليار دولار، والحد من صادرات التقنيات المتطورة إلى روسيا.
ويشير التحليل إلى التأثير الضعيف للعقوبات، وإلى أنها "لن تؤثر على الفور على اقتصاد يمتلك احتياطيات من العملات الصعبة تبلغ 643 مليار دولار، إلى جانب عائدات ضخمة من النفط والغاز".
وبسبب ذلك تتمتع روسيا بـ "اقتصاد حصين"، إضافة لفائض حساب جاري يقدر بنسبة 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ودين يبلغ 20 في المئة بالنسبة للناتج المحلي الإجمالي، وهي من بين أقل المعدلات في العالم. ونصف التزامات روسيا فقط بالدولارات، انخفاضا من 80 في المئة قبل عقدين.
وهذه الإحصاءات هي حصيلة سنوات من الادخار، منذ فرض عقوبات عليها عقب قرار بوتين ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
ووفقا لغرانفيل، فإن زيادة أسعار النفط ستوفر لروسيا هذا العام أرباحا غير متوقعة تقدر بـ 1.5 تريليون روبل (17.2 مليار دولار) من الضرائب على أرباح شركات الطاقة.
وأشار إلى أن "روسيا ستدفع ثمن هذا النوع من الاكتفاء الذاتي، حيث يعمق عزلتها عن الاقتصاد والأسواق والاستثمار العالمي".
وقال "ستعامل روسيا بصورة أساسية على أنها دولة معادية معزولة عن التدفقات المالية العالمية والاستثمار والتفاعلات الاقتصادية الطبيعية، التي تبني المستويات المعيشية للأفراد والمداخيل والإنتاجية وربحية الشركات".
ويشير التحليل أيضا لوجود "علامات ضعف اقتصادي"، ومنها أن مداخيل الأسر الروسية ما زالت أقل من مستويات 2014. وفي 2019 قدر البنك الدولي قيمة الناتج السنوي لروسيا بـ 1.66 تريليون دولار، وهو أقل مقارنة بعام 2013، حيث بلغت القيمة 2.2 تريليون دولار.
وأشار سيرغي غورييف، أستاذ الاقتصاد بجامعة فرنسا للعلوم "بي أو" وكبير الخبراء الاقتصاديين السابق في البنك الأوروبي للتعمير والتنمية، إلى أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الروسي، والذي كان "ضعفي" نصيب الفرد في الصين عام 2013، تراجع الآن.
وقال "كانت روسيا دولة مرتفعة الدخل في 2013، وكانت نشطة في إجراء مفاوضات للانضمام لعضوية منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لكنها عادت الآن إلى وضع الدول ذات الدخل المتوسط".
وتشهد روسيا أيضا "تضاؤلا في أعداد المستثمرين الأجانب"، وفقا للتحليل. وأظهر مسح أجراه بنك "جي بي مورغان" أن الحيازات الأجنبية من السندات بالروبل بلغت أدنى مستوى لها في عقدين، كما لم يعد الاستثمار في الأسهم قط إلى مستويات ما قبل ضم شبه جزيرة القرم من حيث القيمة المطلقة، وذلك وفقا لتقديرات مؤسسة "كوبلي فاند" للأبحاث.
وارتفعت "العلاوة التحفيزية" التي يطالب بها المستثمرون للاحتفاظ بالديون الروسية بالدولار 13 نقطة مئوية فوق سندات الخزانة الأميركية، أي ما يقرب من ثلاثة أمثال متوسط الأسواق الناشئة.
وقال جيفري سكوت، خبير التجارة والعقوبات بمعهد "بيترسون" للاقتصاد الدولي "ستجبر العقوبات روسيا على التمويل الذاتي بشكل أكثر نشاطا، وتقييد الاستثمارات في الصناعة والجيش".
وقد تشمل العقوبات الأكبر إنهاء قدرة روسيا على الوصول إلى نظام المدفوعات العالمية (سويفت) وفرض حظر كامل على الاستثمارات في روسيا.
وسيعقد فقدان الوصول إلى نظام سويفت مدفوعات التصدير والاستيراد، بل قد يمنع تسديد قيمة "كوبونات" الأسهم، مما قد يؤدي إلى وقوع أخطاء تقنية. ويتوقع بنك جي بي مورجان أن تقلص العقوبات نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الثاني من عام 2022 بمقدار 3.5 في المئة.
وأضاف البنك أن الوصول المحدود إلى رأس المال الأجنبي سيدفع شركات النفط إلى الاعتماد على صفقات الدفع المسبق ومواجهة تكلفة أعلى في رؤوس الأموال. وقد يؤدي "التراجع البطيء في مستويات المعيشة" إلى إثارة الاستياء العام، مما يهدد بتصاعد الاحتجاجات.
ويقول محللون في بنك "بيرنبرغ" للاستثمار إن "الاكتفاء الذاتي لا يكفي لإحراز التقدم". وأضافوا أن "التأقلم مع روسيا القابعة في مستنقع التدهور الاقتصادي" سيبقى "تحديا رئيسيا لأوروبا والولايات المتحدة في المستقبل".
المصدر: رويترز
0 تعليقات