قبل السؤال عن أهمية مرجع يتناول المفاهيم الأساسية في فلسفة الفن، ثمة سؤال أكثر أساسية عن أهمية الفن نفسه، ورغم أن محاولات الإجابة عن هذا السؤال قديمة قدم أرسطو وأفلاطون، فإن الإجابة لا تزال تمثل إلى الآن إشكالية حقيقية، وبالتالي تبدأ القصة قديماً في بلاد الإغريق، حين كان أفلاطون قلقاً من الفنون، وبصفة خاصة التراجيديا، لا لشيء سوى لأنه كان يعرف قوة تأثيرها.
ولأنه كان معنياً بتربية الصغار، كان يخشى من التأثير الذي قد تحدثه فيهم، مبرراً بأن الطفل لم ينضج عقله بعد، حتى يستطيع التمييز بين ما هو خيالي أو مجازي، وبين ما هو حقيقي في الواقع، لكن أرسطو كان له رأي مخالف إذ يذهب إلى أن التراجيديا لها تأثير تطهيري في المشاهدين.
يرى البعض أن أهمية الفن تكمن في أنه يحمل قيمة معرفية، لكن قد يتبادر إلى البعض أن العلوم المختلفة، كالرياضيات والفيزياء والكيمياء والفلك، تمنح هي الأخرى قيمة معرفية، وهذا صحيح، لكن الفن يمنح المعرفة ليس بنفس الطرق التي تقوم بها هذه العلوم، ولكن بأسلوبه الخاص، الذي لا يستطيع سواه أن يمنحها به، متوسلاً بحيله المختلفة كالاستعارة والتمثيل والمجاز، هذا إلى جانب أن ثمة فارقاً كبيراً بين المعرفة، التي يقدمها الفن وطبيعة المعرفة، التي تحملها العلوم المختلفة.
يذهب العديد من الفلاسفة إلى الربط بين القيمة المعرفية، التي يحملها الفن وقيمته الجمالية، بل يمتد إلى اعتبار القيمة المعرفية، التي يحملها العمل الفني شرطاً لازماً لتحقيق قيمته الجمالية، وقد ظل علم الجمال ردحاً من الزمن يمثل أحد فروع الفلسفة الكثيرة، ولم يعرف كفرع مستقل بذاته إلى أن جاء الفيلسوف الألماني «ألكسندر جوتليب بومجارتن» في آخر مؤلفاته الذي صدر تحت عنوان «تأملات فلسفية» وقام بالتمييز بين علم الجمال وبقية المعارف الإنسانية الأخرى، ووضع له اسم الإستاطيقا، ووضع له موضوعاً داخل مجموعة العلوم الفلسفية.
يرى كثيرون أن الجماليات هي فرع من فلسفة التعامل مع الطبيعة والجمال والفن والذائقة، وقد بزغ علم الجمال بعد تاريخ ممتد من الفكر الفلسفي التأملي حول الفن والجمال، وبهذا المعنى يعد علم الجمال علماً قديماً وحديثاً في ذات الوقت.
لماذا نهتم بالفن؟ ما الفن؟ هل هناك سمة مشتركة بين جميع الأعمال الفنية؟ أي نوع من الأشياء يمثله العمل الفني؟ وعلى أي أساس نحكم على العمل الفني؟ وهل هذه الأحكام الجمالية ذاتية أم موضوعية؟ ما العلاقة بين الفن والأخلاق؟ بين الفن والسياسة؟ بين الفن والعواطف؟ ما التجربة الجمالية؟
هذه الأسئلة تتناول فلسفة الفن، كما جاء في كتاب «المفاهيم الأساسية في فلسفة الفن» تأليف «تايجر روهولت» (ترجمه إلى العربية عبده الريس). إن النظرية الفلسفية للفن تهدف، بحد أدنى، إلى مساعدتنا على تحديد أي الأشياء تعتبر أعمالاً فنية، وتهدف إلى شرح السبب في أننا نقدر الفن، فنظرياته الأكثر ثقافة، تسعى أيضاً لتوفير بعض التوجيه اللازم لتقييم الأعمال الفنية الفردية.
هذه القضايا الخاصة بتعريف الفن وقيمته، تعد محورية في ما يتعلق بالتعريف، فقد حاول الفلاسفة تعريف الفن بالتركيز على سمة فنية معينة للأعمال الفنية وظيفة أو علاقة سياقية، لقد طرح على سبيل المثال أن الفن يمكن تعريفه من حيث التعبير عن العواطف.
إن شيوع الفن في فترات وثقافات مختلفة – حسبما يرى هذا الكتاب – يوحي بأن القوة الدافعة الأساسية للغناء، والرقص، والتصوير الزيتي، وابتكار القصص، لها أصول تطورية، ورغم أن أفلاطون وأرسطو كتبا عن الشعر والموسيقى والرسم، فإنهما تصورا الفنون بنحو مختلف، ففي الغرب يتم استخدام مفهوم معين للفن، فمنذ القرن الثامن عشر كان من الشائع تصنيف التصوير الزيتي والنحت والموسيقى والشعر والعمارة على أنها الفنون الجميلة (بعض المفكرين اعترضوا على إدراج العمارة).
المصدر: صحيفة الخليج
0 تعليقات