يتصدر قائمة إصدارات رامينا الجديدة كتاب "شاهد على العصر الرابع" للكاتب والصحافي الراحل هيثم الزبيدي الذي ترك أثراً عميقا في الثقافة العربية المعاصرة من خلال كتاباته النقدية والإعلامية. 

تشارك منشورات رامينا، الدار المستقلة التي تتخذ من لندن مقراً لها، في معرض الشارقة الدولي للكتاب، المقام في مركز إكسبو الشارقة خلال الفترة من 5 إلى 16 نوفمبر 2025، في جناحها رقم Z-28  ضمن القاعة الأولى، حاملةً معها مشروعها الثقافي الذي يسعى إلى إعادة تعريف النشر المستقلّ بوصفه فعلاً فكرياً وجمالياً يتجاوز الترويج إلى تأسيس فضاءٍ للتبادل المعرفي بين اللغات والثقافات.

منشورات رامينا، التي رسّخت حضورها في مشهد النشر الدولي خلال السنوات الأخيرة، تؤكّد عبر مشاركتها في الشارقة أنّ النشر المستقل يمكن أن يكون مختبراً للتجارب الأدبية والفكرية، وأنّ الكتاب قادر على عبور اللغات متى أُنجز بعناية معرفية وفنية.

نحو ثقافة تُعيد الاعتبار للإنسان والمعنى

وتميّزت منشورات رامينا، منذ تأسيسها في لندن، بوضوح رؤيتها في جعل الكتاب مساحةً للذاكرة الإنسانية، بعيداً عن الإنتاج الثقافيّ الذي يُستهلك وينتهي أثره سريعاً. ومن هنا جاء تركيزها المتزايد على السير الذاتية للأدباء والمبدعين والشخصيات التاريخية، باعتبار هذا الجنس الأدبي تجسيداً لبحث الإنسان عن ذاته في مواجهة الزمن والتحوّل. فالسيرة عند رامينا هي استعادة لوعيٍ جمعيّ وتاريخٍ ثقافيّ تُقرأ من خلال التجربة الشخصية ومحنها وأسئلتها.

وقد أصدرت الدار في هذا السياق عدداً من الأعمال التي شكّلت حضوراً لافتاً في المشهد العربي، من بينها كتاب "هكذا عشتُ الجحيم" للكاتب هيثم حسين، الذي يوثّق فيه رحلة الخلاص والكتابة بعد تجربة الاحتراق، وكتاب "كرات الذكريات" للكاتبة نادين باخص، الذي يستعيد الطفولة بوصفها ذاكرةً لغويّة وحسيّة تتقاطع فيها الحكاية بالوجع الإنساني. كذلك أصدرت الدار كتاب "سيرة النصّ المفتوح.. رحلة واسيني من تلمسان إلى السوربون" للدكتورة أماني محمد ناصر، الذي يقدّم نموذجاً فريداً في قراءة المسار الأدبي من الداخل، من خلال سيرة نصّية تتقاطع فيها الكتابة بالحياة، وكذلك كتاب "كلّ الأشياء تخلو من الفلسفة" لـ مشهد العلاف.

"شاهد على العصر الرابع" لهيثم الزبيدي: قراءة في زمن التحوّل

يتصدر قائمة إصدارات رامينا الجديدة كتاب "شاهد على العصر الرابع" للكاتب والصحافي الراحل هيثم الزبيدي، الذي ترك أثراً عميقاً في الثقافة العربية المعاصرة من خلال كتاباته النقدية والإعلامية. في هذا العمل، الذي يحمل عنواناً فرعياً هو في نقد الحاضر والسؤال عن المستقبل، يقدّم الزبيدي تأملاً معمقاً في تحولات العقد العربي الأخير، من انهيارات المجال العام إلى صعود الفرد المنعزل، ومن سلطة الإعلام التقليدي إلى زمن المنصات الرقمية.

يقع الكتاب في 310 صفحات، ويضم ستة فصول تُعالج العلاقة بين المثقف والتحولات الاجتماعية والسياسية بأسلوب يجمع بين الدقة التحليلية والبعد الفلسفي، ويُقدَّم في طبعة أنيقة من تصميم الفنان التشكيلي خضر عبد الكريم.

إلى جانب هذا الإصدار، تعرض الدار سلسلة من الترجمات التي تمثّل أحد أعمدة مشروعها، فقد عملت رامينا خلال العامين الماضيين على تطوير خط ترجمي من العربية والكردية إلى الإنجليزية والعكس، بهدف ربط النصوص المحلية بالقرّاء العالميين. وتأتي هذه الجهود ضمن رؤية ترى في الترجمة فعلاً ثقافياً خلاقاً يعيد إنتاج النص في سياق جديد ويمنحه حياة ثانية في لغة أخرى.

وفي المقابل، تعمل رامينا على نقل نصوص من عدة لغات إلى العربية والكردية ضمن مبادرة هدفها توسيع نطاق التفاعل مع الفكر العالمي.

وهناك عدد من الإصدارات الحديثة أيضاً، منها رواية "الشامانة" للإماراتية لطيفة الحاج، و**"شريط حياة"** لـ عمران كشواني، و**"ابنة ليليت"** للسعودي أحمد السماري في طبعتها الثالثة خلال عام واحد.

هذه الإصدارات تُظهر التزام رامينا بخطّ نشرٍ يضع الذاكرة الفردية في قلب الأسئلة الكبرى حول الثقافة والهوية والزمن، ويجعل من السيرة أداةً لفهم المجتمع من خلال الإنسان، لا العكس.

ضمن هذا المسار الإنساني والفكري، أعلنت منشورات رامينا مؤخّراً عن حصولها على حقوق ترجمة كتاب "الأمل" للبابا الراحل فرنسيس إلى اللغة الكردية، في خطوة وُصفت بالرمزية والعميقة في آن. فترجمة نصّ يحمل مضامين الإيمان والأمل والتسامح إلى الكردية تُعيد لهذه اللغة حضورها الطبيعي في حقل الحوار الإنساني، وتؤكد قدرتها على احتضان نصوصٍ من خارج فضائها الجغرافي والديني.

وفي الوقت ذاته، تعمل منشورات رامينا على توسيع نطاق عملها في مجال الترجمة من العربية والكردية إلى الإنجليزية، واضعةً نصب عينيها هدفاً يتمثّل في نقل الأدب العربي والكردي المعاصر إلى القارئ الدولي. وتؤكد الدار في بياناتها وتصريحاتها أنّ الترجمة بالنسبة إليها ليست نشاطاً ملحقاً بالنشر، إنّما جوهر مشروعها الثقافي في المقام الأول. فالعالم يحتاج إلى أن يسمع أصواتاً جديدة من الشرق، نصوصاً كتبت بلغاتٍ حيّة تعبّر عن الإنسان في مواجهته للمنفى والذاكرة والمحو، لا عن الصور النمطية التي كرّستها المؤسسات الكبرى.

وتستعدّ رامينا لإطلاق سلسلة من المشاريع الترجمية الجديدة إلى الإنجليزية تشمل مختارات من الرواية العربية المعاصرة وكتباً أدبية تتناول قضايا اللغة والمنفى والهوية. تأتي هذه المشاريع ضمن خطة طويلة المدى تهدف إلى إعادة تقديم الأدب العربي والكردي في فضاء القراءة الأنغلوساكسوني من خلال طبعات أنيقة وموثّقة تضمن استقبال النصوص في سياقها الثقافي والفكري الصحيح.

سلاسل رامينا: تنويع في الحقول الثقافية وتوسيع لفضاء الكتاب

وتواصل منشورات رامينا توسيع مشروعها الثقافي عبر مجموعة من السلاسل التي تجمع بين التخصص والابتكار، لتقدّم نموذجاً في النشر العابر للأنواع الفنية والفكرية. فبعد تركيزها على السرد والذاكرة والترجمة، شرعت الدار خلال الأعوام الأخيرة في تطوير سلاسل متخصّصة تعكس رؤيتها المتجددة تجاه الأدب والفن والإنسان.

وتأتي سلسلة الأدب السرياني في طليعة هذه المشاريع، وتهدف إلى إحياء اللغة السريانية الحديثة وتثبيتها في المشهد الثقافي الراهن من خلال نشر نصوص أصلية وترجمات أدبية.

وأطلقت الدار هذه السلسلة في لندن ضمن مبادرة لإعادة وصل الأدب السرياني بفضاء القراءة المعاصرة، فصدر فيها كتاب "الأجنحة المتكسّرة" لجبران خليل جبران بترجمة سريانية جديدة، وستعقبه أعمال أخرى تجمع بين التراث السرياني والنصوص الإنسانية الحديثة.

وتسعى رامينا عبر هذه السلسلة إلى إعادة تقديم اللغة السريانية كرافدٍ حيٍّ من روافد الثقافة الشرق أوسطية، وإلى مدّ الجسور بين السريان والعالم عبر الكتاب والترجمة.

أما سلسلة "الكابتن" فهي خطّ جديد في مشروع الدار، يركّز على الأدب الرياضي وكتابة السير الرياضية التي تجمع بين السرد الإبداعي والتوثيق الواقعي.

وترى رامينا أن الرياضة ميدان سردي خصب، وأنّ حياة الرياضيين بإنجازاتهم وتحدياتهم تمثّل جزءاً من السرد الإنساني العام، ولهذا تهدف السلسلة إلى تقديم كتب ومذكرات تُضيء العلاقة بين الجسد والفكر، وبين التنافس والخيال.

وتستعد الدار لإصدار مجموعة من العناوين ضمن هذه السلسلة، تتناول قصصاً وتجارب إنسانية ملهمة في كرة القدم وألعاب القوى والفروسية، إضافة إلى ترجمات في فلسفة الرياضة وتاريخها.

من جهة أخرى، أطلقت منشورات رامينا قبل نحو عامين سلسلة الفنون، لتكون مساحة تُعنى بالفن التشكيلي والنقد الجمالي، ولتفتح الباب أمام التفاعل بين النص البصري والنص المكتوب.

وقد نشرت الدار ضمن هذه السلسلة عدداً من الكتالوغات الفنية لفنانين تشكيليين، من بينهم خضر عبد الكريم وياسر أحمد، واهتمت بتوثيق أعمالهم من خلال إصدارات تجمع بين الجودة الطباعية والرؤية النقدية. تؤكد رامينا عبر هذه السلسلة أن الفن جزء أساسي من مشروع النشر المعاصر، وأنّ الصورة يمكن أن تكون امتداداً للنص ومكمّلة له، في توازنٍ يعبّر عن جماليات العصر وتحول القراءة إلى تجربة بصرية ومعرفية في آن.

دار تتجاوز الجغرافيا

ولا يقتصر مشروع منشورات رامينا على النشر، إنّما يمتد إلى بناء منصّة ثقافية تربط بين الكتّاب والمترجمين والقرّاء عبر اللغات.

وتولي الدار اهتماماً خاصاً بالمؤلفين الشباب والمشاريع التي تمزج بين الإبداع والبحث، مع توزيعٍ دولي، إضافة إلى حضورها في المعارض العالمية الكبرى في لندن والرياض وأبوظبي والشارقة.

وتؤمن رامينا بأن التعدد اللغوي شرط من شروط الوجود الإنساني في زمن العولمة، وأنّ الكتاب يمكن أن يكون جواز عبورٍ بين الثقافات حين يُكتب ويُنشر بوعي ومسؤولية.

وتنظّم منشورات رامينا حفلات توقيع لعدد من مؤلفيها، وتعقد لقاءات مع كتّابها ومترجميها، وتفتح نقاشات حول النشر المستقل والترجمة، وتعرض أمام الزوار نموذجها العملي في تحويل دور النشر الصغيرة إلى فضاء مفتوح للحوار والإبداع.

وتؤكد الدار أنّ المشاركة في الشارقة تأتي ضمن استراتيجيتها لتوسيع حضورها العربي، وتعزيز العلاقات مع الكتّاب والقرّاء في المنطقة، والانخراط في المشهد الثقافي الإماراتي الذي يشهد ازدهاراً متزايداً في مجال صناعة الكتاب.

خاتمة

وبمشاركتها في معرض الشارقة الدولي للكتاب 2025، تسعى منشورات رامينا إلى إعادة صياغة مفهوم الحضور الثقافي في العالم العربي، وإلى تثبيت مكانتها كدارٍ تُراهن على الجمال الفكري والمعرفي، وعلى الترجمة باعتبارها فعلاً للذاكرة واستمراراً للحياة.

وبهذا التوجّه، تواصل منشورات رامينا ترسيخ مكانتها كدار نشرٍ مستقلةٍ عابرةٍ للحدود الجغرافية واللغوية، ترى في الترجمة والسيرة الذاتية والنصوص التأملية ركائز لمشروعها الإنساني.

ومن لندن إلى الشارقة، ومن العربية والكردية إلى الإنجليزية والسريانية، ترسم الدار ملامح تجربة نشرٍ حديثة تعيد الاعتبار للكتاب كجسرٍ حيّ بين الأفراد والأمم، وتذكّر بأنّ الثقافة لا تتطور بالضجيج، إنّما بالعمل الهادئ الذي يُراكم الأمل في وجه النسيان.

نقلاً عن: موقع ميدل إيست أونلاين


مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).