هو أوّل كاتب إيزيدي يصل للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العربية، المعروفة بـ"البوكر". وربما يكون "الأخير" على حدّ قوله "إذا استمرت الإبادات للإيزيديين على النحو الذي رأيناه في السنين الأخيرة".
نزار آغري، روائي وناقد ومترجم سوري كردي إيزيدي، يقيم في أوسلو. يعرّف عن نفسه لموقع "ارفع صوتك" بأنّه قارئ أراد أن يصبح كاتباً. يقول إنّ هناك أشياء كثيرة في حياتنا تستحق أن تُدوّن ويقرأها غيرنا، "ولكن ينبغي أن تكتب بطريقة تقنع القارئ في ألا يتأسف على الوقت الذي يهدره في القراءة".
صدرت للكاتب مجموعة من الروايات، من بينها "أوراق الملا زعفران" و"كاكا والجدار" و"شارع سالم"، قبل إصداره الأخير "البحث عن عازار" الذي رشّح لجائزة "البوكر".
يروي العمل قصّة صداقةٍ بين إيزيدي ويهودي جمعتهما مدينة القامشلي السورية حين كانت تزدحم بالأعراق والديانات والجنسيات المختلفة، وفرّقتهما المدينة نفسها فيما بعد، ليبقى الحنين يسكن، عيد كوري، بعد رحيل صديقه عازار الذي استمرّ بحثه عنه على مدى 40 سنة.
تبدأ الرواية بوعد تقطعه ابنة الراوي على والدها بأن تواصل البحث عن صديقه عازار، وتبذل قصارى جهدها لإيجاده. يتردّد والدها في أن يقول لها إنّه يخاف ربما من فكرة العثور عليه، لأنّ عازار الذي يعرفه اختفى، وسيرى رجلا آخر "أثقلت كاهله السنون"، لم يعد كما عرفه فتى "بهيّاً كالسنونو" في الرابعة عشر من العمر.
تمتزج في الصفحة الأولى من الرواية الرغبة بالعثور على صديقه القديم مع الخوف من التحوّل الذي قد يطرأ على الإنسان بفعل العمر وما تفعله به السنوات الطويلة.
يظهر الزمن هنا بحلّة المجهول، وتُترجم مشاعر الخوف منه. ويبقى الزمن "ثيمة" أساسية في الرواية، على شكل حنين وذكريات. هذه العلاقة بين الإنسان والزمن والتحوّلات العمرية تعكس منذ البداية رقّة الراوي وهشاشته الإنسانية وهو يصحبنا بمتعة إلى خزين من قصصٍ كانت فيها صورة الحياة في الشرق الأوسط أقلّ عنفاً وأكثر محبة.
للحديث عن عمله الأخير وعن تجربة الكتابة والهجرة ومواضيع أخرى، كان لموقع "ارفع صوتك" مع آغري هذا الحوار:
ماذا يعني لك وصول الرواية للبوكر، بالأخص وأنك أوّل كاتب إيزيدي يصل لقوائم الجائزة؟
يعني أن أحدهم قرأ الرواية ووجد فيها ما يستحق أن نحتفل به. نعم أنا أول كاتب إيزيدي يصل إلى القائمة. وقد أكون الأخير إذا استمرت الإبادات للإيزيديين على النحو الذي رأيناه في السنين الأخيرة.
كيف تعرّف عن نفسك للقرّاء الجدد الذين قد تفتح الجائزة أفقا لتوسعهم وأيضا لقرائك الأقدم؟
أنا قارئ أراد أن يصبح كاتباً. هناك أشياء كثيرة في حياتنا تستحق أن تدون ويقرأها غيرنا. ولكن ينبغي أن تكتب بطريقة تقنع القارئ في ألا يتأسف على الوقت الذي يهدره في القراءة. إن أفلحنا في ذلك نكون منحنا الكتابة الروائية الاسم الذي تستحق. أحاول أن أفعل ذلك.
الرواية مقسّمة إلى ثلاثة أقسام، الأخير هو الأقصر. كم استغرقت وقتاً لكتابتها وهل واجهت أيّ تحدّيات؟
الأقسام الثلاثة هي المراحل الزمنية التي مرت بها العلاقة بين الراوي وصديقه. مرحلة العيش معاً، وهي السنة الوحيدة التي قضياها معاً في المدرسة. مرحلة الفراق، التي امتدت 40 سنة وهي فترة بحث الراوي عن صديقه. المرحلة الأخيرة هي لحظة اللقاء بعد ذلك الفراق الطويل.
لم أواجه أي تحد، كانت الكتابة رحلة ممتعة، لأنها أعطتني الفرصة لأستعيد مراهقتي التي قضيتها في القامشلي.
ماذا تعني لك الكتابة بشكل عام، خاصّة في زمن استهلاكي جداً ودموي في بعض الأحيان؟
الكتابة شغف. أي أن تكتب لأن في أعماقك ما يشتعل ويجعلك ترتجف، كما لو أنك ستقابل شخصاً عزيزاً عليك. الكتابة هي الشغف الذي يحمي الكاتب من كل ما هو خارجي أكان زمناً استهلاكياً أو حرباً عالمية أو أعاصير أو زلال. الكاتب وكتابته مثل حبيبين في صومعة.
تعيش حالياً في أوسلو.. هل أثّرت تجربة الهجرة على كتابتك؟ وكيف؟
بالطبع الهجرة تترك أثرها في حياتنا وبالتالي كتابتنا، لأن الكتابة هي جزء من هذه الحياة. هي تضيف مفردات جديدة إلى قاموس عيشنا وتمنحنا، من حيث لا ندري، آفاقاً أوسع في مقاربة العيش. نكتسب عادات ومهارات وأساليب تواصل لم نكن اختبرناها من قبل.
وكل هذا يصب في ساقية الطفولة التي تمكث في أعماقنا.
شخصياً أعيش في تربة الطفولة. كل الهجرات والانزياحات الزمانية والمكانية فشلت في فصلي عن تلك المرحلة. لهذا أينما أعيش أشعر وكأنني ما زلت في المكان والزمان اللذين صاغا كياني الروحي والنفسي والذهني مرة وإلى الأبد.
بطل الرواية، "عيد"، يتعرّض للتمييز والمضايقات العرقية ليس فقط، من أشخاص مغايري الأعراق، بل يُلحق به الأكراد أيضاً الأذية، هل هذا يعني أنّ الانتماء العرقي لا يحمي في حال انطوى على اختلاف ديني طفيف؟
الاختلافات حين تتحول إلى عناصر للتمييز والتنافر بدل التنوع والتقارب تصبح أدوات فتاكة. كل انتماء في المجتمعات المتعصبة هو تهمة. أنت متهم لأنك من قومية ما، ومتهم لأنك من دين ما، ومتهم لأنك من طائفة ما.
هذه الانتماءات ليس لنا يد فيها. نحن نرثها من أسلافنا ومع ذلك فهي تعين نظرة الآخر لنا رغماً عنا. الانتماء بالعادة يوفر شعوراً بالأمان في حضور المجموعة التي ننتمي إليها ولكنه سرعان ما يتمزق حين حين تصطدم المجموعة الكبرى بالهوية الصغرى.
0 تعليقات