من قريته الصغيرة (صمّا) التابعة لمحافظة السويداء مروراً بدمشق التي أنهى فيها دراسته الجامعية وصولاً إلى السويد حيث يقيم حاليّاً، تكوّنت ملامح تجربة الشاعر "تمّام هنيدي" التي أرهصت ثلاثة دواوين تُرجمت إلى لغات عدّة: " وشوم الضباب"، " كما لو أنّني نجوت"،  "يجدر بك أن تتبخّر".

حول رؤيته الخاصة إلى مفهوم قصيدة النثر، وأثر العالم الرقميّ على التجربة الشعريّة، ومدى دور التبادل الثقافي بين البيئة المحليّة والشعر العالمي أجرى معه موقع "هلات" هذا الحوار:

- كيف بدات علاقتك بقصيدة النثر؟ هل ثمّة حدث خاصّ ألقى بك في عوالمها، ومن هم شعراء قصيدة النثر العرب الذين ألهمتك تجاربهم وأثرت بك في بداية قراءاتك؟

أظنّهُ الشعرُ نفسه، لا اختلاف يُذكر في بداية علاقتي مع قصيدة النثر عن علاقتي مع الشعر ككلّ، أي أنّ الجمال هو ما يلفتُ انتباهي بصرفِ النظرِ عن شكلهِ والطريقة التي يظهرُ من خلالها، أنا شخصٌ محبّ للشعر، قراءةً واستماعاً قبل محاولة كتابته، وأحسبُ أنّ بدايةَ قراءاتي لم تكن مع قصيدة النثر، وعليه، فإنّ الشعراءَ الذين تأثرتُ بهم في بداياتِ الكتابة لم يكونوا شعراءَ قصيدة نثر، إذ لم تكن قصيدة النثر من مفضّلات الجغرافيا السوريّة والمجتمع السوريّ اللذين أنتمي إليهما، وكان تداولُ قصيدة النثر حكراً على المهتمّين أو الشعراء أنفسهم، وبعض الذوّاقة. وأنا لم أكن واحدًا من كلّ هؤلاء، والإنترنت لم يكن قد وجد طريقهُ الطبيعيّ إلينا في سوريا ليتمكّن المرء من البحث كما ينبغي.

تغيّر الحالُ طبعاً بعد محاولات الكتابة الأولى بمدّة بسيطة، في سنوات الدراسة الجامعية تحديداً، مع انتقالي للحياة في دمشق، وما توفّرهُ العواصمُ من إمكانيّة الوصولِ الأكثر سهولة إلى الكتب والكتّاب والمهتمّين، وفي تلك الفترة تعرّفتُ إلى بعض تجاربِ النثر العربية، ولكنني تعرفتُ قبلاً على السوريّة منها، وهي التي تركت أثراً في التجربة العربيّة كلّها من خلال الماغوط ورياض الصّالح الحسين. أظنّني ملتُ إلى الكتابة النثرية بسبب ذلك الخيط البسيط الفاصل بين حريّة كتابتها وفوضى كتابتها. أدينُ بحبّ قصيدة النثر إلى كثيرين، ولعلّي لم أتأثر بهم قدرَ إعجابي بإنتاجهم، أحببتُ ”ضفّتاهُ من حجر“ لعادل محمود، و“أهل التابوت“ لنزيه أبو عفش، أحببتُ أيضًا ”الأب الضال“ للقمان ديركي قبل أن أحبّ لقمان نفسه! أحببت تجربة منذر مصري ومحاولاته، وتمنّيت، لطالما تمنّيت، أن أكتب بسلاسة وديع سعادة. مع العمر أذهلني هدوء بسام حجار وسوداويته. وإلى الآن لم يتوقف إعجابي بالمختلف في قصيدة النثر، وأظنني ممن يعتقدون أنّ هناك تجارب مهمّة وتستحقّ التوقف في العالم العربي ”من المحيط إلى الخليج“!

- في بعض قصائدك وهج واضح للحكاية، وفي البعض الآخر تجلّ لافت للمشهديّة البصريّة، على عكس قسم كبير من شعراء قصيدة النثر الذين لا تخرج بقراءة نصوصهم سوى بفوضى من الأفكار المبعثرة، هل ترى أن قصيدة النثر يجب أن تكون محمولة على أكثر من حامل؟

لستُ ممن يستطيعون الإجابة عن سؤال كهذا، لا أظن أنني مؤهل لأُملي على قصيدة النثر ما يجب وما لا يجب. أما عن الحكاية، فنعم، أنا ابنُ حكاياتٍ كثيرة لا حكاية واحدة، ابنُ حكاياتِ الذين سبقوا، وابنُ حكاية المكان وناسه، وابنُ حكايتي ووالدها في الوقت نفسه. قد أكتبُ مشهداً مثلما رأيتُهُ أو سمعتُ عنهُ تماماً، بلا أي إضافات، وأزعمُ أنّ باستطاعته أن يكون شعرياً تماماً، في ديواني الثاني ”كما لو أني نجوت“ كان ثمّة الكثير من تلك المشاهد: أولموا للجنود… وعادوا بالصحونِ مليئةً بالرصاص!

أوليس هذا الحدثُ شعرياً؟! وقد حدثَ فعلاً، ولم أضف كلمةً واحدةً عليه، لكنّني أظنّ أنّ الشعر، كما المعاني، ملقىً على قارعة الطريق، وعلينا التقاطه فحسب.

- ما الذي يمكن أن تقوله قصيدة النثر - حسب رأيك - بعد أن استنفدت قصائد الشطرين وقصائد التفعيلة بل وحتى قصائد النثر جميع القوالب والأفكار والموضوعات؟ وهل سيتحوّل الشعر إلى مجرّد فرادة في اللغة؟

لا أظنّ البشريّة اخترعت عناوين عريضة جديدة للكتابة، مختلفة عن تلك التي نقشها البشرُ منذُ الكتابة على ألواحِ الطين حتى الكتابة عن طريق التسجيل الصوتيّ! العناوينُ العريضةُ ذاتها، ولكنّ هذا لا يعني شيئاً، يمكنُ للفكرةِ نفسِها أن تُكتبَ دائمًا وتحتفظَ بطزاجتها وقدرتها على التأثير، ولعلّ بإمكاني الاستعانة ببيتٍ قرأتُهُ لحسّان بن ثابت الأنصاري،  في مقدّمة المجموعة القصصية الجديدة لعديّ الزعبي ”قلوب مكبولة“ ويا لهُ من بيت:

"فإنّ أشعرَ بيتٍ أنتَ قائلهُ

بيتٌ يُقالُ إذا أنشَدْتَهُ صدقا"

ذلك ينطبقُ على كلّ الشعر، بل وعلى الكتابة برمّتها حسبَ ظنّي. دائمًا يمكنُ القول، بل يجب

- ثمّة من يدّعي أن الشاعر ينبغي له أن يتقن كتابة الشعر الموزون قبل ولوج عوالم قصيدة النثر، وهناك من يرى أنّ الشعر الموزون استهلك أسباب استمراره، ما رأيك كشاعر بهذه الجدليّة؟

أحبُّ دائماً الاستعانة برأي صديقنا الشاعر الراحل إياد شاهين في هذا السياق، حين سُئلَ سؤالاً مشابهاً، فقد قال ما معناهُ أنّ الشعرَ نفسه ليس معنياً بهذا الجدل، إنهُ يمضي في طريقهِ بينما يختلفُ النُّحاةُ والكتّابُ والشعراء والنقاد حوله. أضافَ إياد في حينها ما يصحُّ أن يصبحَ مقولةً: الشاعرُ وسيطٌ بين القصيدة والقارئ… وهو وسيطٌ سيئُ الذكر عادة!

- كيف يولد النصّ عند (تمّام هنيدي)؟ هل تناديك فكرة ما أو حالة شعوريّة خاصّة؟ أم إنك تذهب إلى طاولة الكتابة بقرار فكريّ محض، وهل الشاعر - حسب رأيك - هو من يكتب القصيدة ؟ أم القصيدة هي التي تكتب نفسها، أم أنّ هناك تواطؤاً بين القصيدة والشاعر؟

تولدُ الفكرةُ قبلَ ولادةِ النصّ، والولادتان لا تتشابهان البتّة. قد تولدُ الفكرةُ، بالنسبة لي، في أيّ مكان، بلا شروط خاصّة، أحياناً أسجّلها وكثيراً ما أتركُها في رأسي، لكنها نادراً ما تبارحه، ثمّ يبدأ العمل عليها، وهنا تبدأ مرحلةُ ولادة النصّ، وهي ولادة عسيرة غالباً، وتحدثُ هي الأخرى على مراحل، إلى أن يستقرّ النصّ بعد أن يخضع لأكثر من كتابة، ثمّ أستعين ببعضِ الأصدقاء لتقييم نسختهِ الأولى والثانية

- كيف أثّر نشوؤك في مدينة السويداء على صوتك الشعري؟ هل هناك عناصر ثقافية أو جغرافية من مدينتك وجدت طريقها إلى شعرك؟

بالتأكيد، لكنّ هذا تأخر في الحقيقة، تأثيرُ المكانِ الأولِ في كتابتي جاء بعد أن فقدتُ المكانَ نفسه، حينَ صرتُ عاجزاً عن رؤيتهِ اليوميّة أو الدوريّة، عن التفاعل الفيزيائيّ معه، والتأثر المباشر به، أي حين صار مجرّدَ ذكرياتٍ تغزو التفكير والخيالَ والمنام، إذّاكَ بدأتُ أفكّرُ فيهِ على نحوٍ مختلفٍ عمّا اعتدتُهُ، ذلك أنّك حينَ تتذكّرُ شيئاً فقدتهُ تتذكّرُ، أو تحاول، تفاصيلهُ كلّها، آثاره بوصفه شيئاً معيّناً لهُ ملامح واضحة، مهما كنت تحاولُ الهروبَ منه في فتراتِ الشباب الأولى، أظنّ العمرَ أيضاً أسهمَ في هدوء تعاطيّ مع السويداء، لكنّ الأثر المكانيّ الأكبر في ما أكتب، ليسَ للسويداء، إنما لقريتي، صمّا، وما يحيطها، لون تربتها وشكل عمارتها، أشجارها وطرق حياة أعشابها وأنواعِ أزهارها البريّة، وطعومها أحياناً، واديها وبركة الماء التي تتوسّطها وأسماء الأراضي الزراعية، هذا قادني للتفكيرِ في أسلوبِ حياة الناس وأفكارهم، لماذا أطلقوا على أرضٍ ما اسمَ: ”العطاونة“ مثلاً أو المُهرة، استثمارُ ذلك كلّه في الكتابة الشعريّة، لم يحدث قبل رحيلي وفقداني للتفاعل  الدوريّ الفيزيائيّ هذا

- درست الإعلام في جامعة دمشق، كيف أثّر تكوينك الأكاديمي في الإعلام على نهجك في كتابة الشعر؟ هل تجد أن فهمك لأساليب التواصل وإدارة المحتوى يلعب دورًا في بناء قصائدك؟

لا يمكنُ تخيّلُ كتابةٍ بلا معرفة، وللحصول عليها أساليب شتّى، من بينها الدراسة، أي أن المعرفة كلّها ذات أثر في الكتابة. لكن في حالتي، أظنّ التأثير كانَ معكوساً على نحو ما، أي أنّ كتابة الشعر، أو الكتابة الأدبية عموماً، بالنسبة لي، كانت ذات أثر أكبر على الكتابة للصحافة، لم يكن ذلك الأثر مفيداً مهنياً، لكنّه حدث على أي حال. خلال سنوات الحياة في السويد، والتي تضمنت دراسة إدارة المحتوى، وهو اختصاص بعيد تماماً عن الكتابة الأدبية، على الرغم من أنه ينطوي على جانب إبداعيّ، بدأت علاقتي مع الشعرِ نفسهِ تأخذُ منحى مختلفاً، صار حضورُ المجازِ شحيحاً جداً فيما أكتب، وصار الوضوحُ أسلوباً أقربَ إلى نفسي، ولم يعد المعنى يحتاجُ إلى الإيهام والالتفاف والتمويهِ لإيجاده. وعلى مستوى آخر، لم تعد العلاقةُ مع المتلقّي منبريّةً، إذ ليس ثمّة ما يدعو للتعالي عليه، أو الرغبة بـ“رفع سويّته“ ليفهم المعنى المقصود من النصّ المكتوب. صارت الشراكةُ بين الكاتب والنصّ والمتلقّي أكثر وضوحاً، وبالتالي، أيقنتُ أن ليس لديّ معركة مع القارئ، إنما هو جزء من العملية الإبداعية نفسها، وهو على ذلك معنيّ بفهم المُرادِ قوله، وإلا لكتبَ الشعراءُ لأنفسهم. والحقيقة أن بعضهم يفعل، لكنني لستُ من ذلك البعض

- تُرجمت أعمالك إلى عدة لغات، بما في ذلك الإنجليزية والسويدية والإيطالية والهولندية. كيف تنظر إلى ترجمة شعرك إلى لغات وسياقات ثقافية مختلفة؟ هل تشعر أن جوهر قصائدك يُحافظ عليه عبر هذه الترجمات؟

حسناً، تُرجمت بعضُ قصائدي إلى لغاتٍ لا أفهمها، في هذه الحالة لا أستطيعُ التقدير، أو معرفة أيّ شيء يخصّ النصّ الذي أسمعه، أثقُ بالمترجمين، ذلك أنني أعتبرهم يخلقون نصّاً جديداً في شغلهم، يمسّ شرائحَ لم يمسّها النصّ الأصليّ، على ذلك، فالمترجمُ بالنسبةِ لي هو صاحب النصّ، بمعنى ما. توضّحَ ذلك أكثر حين سمعتُ شعري مكتوباً بالإنجليزية أو السويدية، وهاتان لغتان أستطيعُ فهمهما، إذّاك، شعرتُ أنني أقرأُ قصيدةً ليست لي، إنها لمن كتبها، ومن كتبها المترجم، هذا لا يثير حنقي على الإطلاق، فهذا يجعلُ المترجمين يقومون بعملٍ أكثر مصداقية برأيي، ثمّة مدارسُ تقولُ بالتزامِ المترجمين بالمكتوب في النصّ الأصليّ تماماً، لكن فلنأخذ روايات باولو سورينتينو مثالاً، أنا متيقّنٌ أنّ معاوية عبد المجيد اشتغل بنزاهة كبيرة على رواية ”كلهم على حقّ“ لكن لو قرأت الرواية، تكادُ تشعرُ أنّ كاتبها سوري، مع أنّك تشعرُ أنك في الجنوب الإيطاليّ، إنّ التقاطَ روحِ النصّ هو الأساس، باعتقادي، في العمل على ترجمة أي شيء. وهنا يكمنُ الإبداع.

- على مر السنوات، كيف تطورت الموضوعات التي تتناولها في شعرك؟ هل هناك مواضيع متكررة أو استكشافات جديدة ظهرت في أعمالك الأخيرة مقارنةً بمجموعاتك الشعرية الأولى؟

لا يحتاجُ القارئ جهداً كبيراً لمعرفة التغير الذي طرأ على شغلي الشعريّ بين الديوانين الأول والثاني، بل قبل الديوان الأول أيضاً. ديواني الأول لم يخرج عن صفاتِ اسمهِ: ”الديوان الأول“، بما في الأوائل من اضطراباتٍ وتخبّطات على مستوى الفكرة وآلية كتابتها، والهاجس الشعري. أظنّ أن النقلة بينه وبين الديوان الثاني كانت كبيرة جداً. أما بين الديوانين الثاني والثالث، للأسف، نعم. تكررت بعضُ الثيمات، إذ لطالما كان الشعرُ خاضعاً لما أعيشهُ وأفكرُ فيه لحظة كتابته، وقد كانت هواجسي في كلا الديوانين متشابهة بنسبةٍ ما، على الرغم من وجود بعض الفوارق بينهما. أحاولُ الآن، بمشقّة رهيبة، الخروج من المُعاشِ إلى مكانٍ أكثر رحابةً، أي إلى الفكرة، ولا أضمنُ نجاح المحاولة بصراحة، لكنني صارمٌ في المحاولةِ على الأقل!

- مع تزايد التبادل العالمي للأفكار الأدبية، كيف ترى العلاقة بين الشعر العربي والحركات الشعرية العالمية؟ هل تعتبر أن عملك جزء من حوار عالمي أوسع، أم أنه أكثر جذرية في التجارب المحلية والإقليمية؟

لا أعلمُ حقيقةً أهمية وجودِ علاقةٍ بين الشعر العربي وسواه، لا لأنني من دعاةِ الانغلاق بالطبع، لكن أقصدُ أنني لا أعلمُ الجدوى من ذلك، ثمّ كيف تكونُ هذه العلاقة؟ هل يسهرُ الشعرُ العربيّ مع الشعر العالميّ كلّ خميسٍ في بارٍ ما؟ هل يذهبان لتناولِ القهوة معاً للعب الورق؟ المسألة تتعلق بالشعراء لا بالشعر، وهنا تدخلُ مسألةُ النازع الشخصيّ، ثمّة شعراء يحبّون مثل هذه العلاقات، وآخرون لا يفضّلونها، الشعرُ ليس معنياً بهذا أيضاً. عن نفسي، لا أستطيعُ اعتبار عملي على غير ما هو بسيط: لديّ شيءٌ لأقوله، أو أظنّ ذلك، وأحاولُ قولهُ بصورةٍ جيدة، أو أظنّ ذلك. بهذه البساطة.

- في عصرنا الرقمي الحالي، يستخدم العديد من الشعراء وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية للوصول إلى جمهور أوسع. كيف تتفاعل مع هذه المنصات؟ هل ترى العالم الرقمي كامتداد لتعبيرك الشعري، أم تفضل أشكال النشر التقليدية؟

ما زلتُ حتى هذه اللحظة أحبُّ نشرَ كتابٍ ورقيّ، على الرغم من الأزمات التي تحيطُ بعمليّة النشر، والتقنيات التي باتت تفتحُ للكتاب عالمًا أكثر رحابة قياسًا بعالم الكتب الورقية، وتضيّقُ الخناقَ على صناعةِ الكتاب الكلاسيكية.

أستخدمُ وسائل التواصل الاجتماعي، للتواصلِ الاجتماعي أولاً، وأحياناً لنشرِ ما قد يخطرُ لي، وأما التقييم، فلديه معايير مختلفة. إلا أنّ الحقيقة هي أنّ وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت باطلاعي على كثيرٍ من التجارب الشعرية في العالم العربي، وقد كان الاطلاعُ على بعضها قيمةً مضافةً بالنسبة لي.

- بالنظر إلى المناخ الاجتماعي والسياسي الحالي في الدول الناطقة بالعربية وخارجه، إلى أين ترى الشعر العربي يتجه في العقد المقبل؟ هل تعتقد أن للشعراء دور في تشكيل الخطاب الثقافي والسياسي، أم ينبغي أن يبقوا مراقبين فقط؟ 

لطالما أحببتُ جملةَ أدونيس: المدائنُ تنحلُّ/ والأرضُ قاطرةٌ من هباءْ/ وحدهُ الشِّعرُ، يعرفُ أن يتزوجَ هذا الفضاءْ

لا تعيشُ الدول الناطقة بالعربية ظروفاً طبيعية منذ قرونٍ ربما، مع حقبٍ بسيطةٍ مستثناةٍ من هذا التعميم، لكن الشعرَ حافظَ على حياتهِ، فهو من بين أقدم أشكال التعبير الإنسانيّ عن النفسِ والآخرين والحياة. طيب، فلنفكر الآن: تجربةٌ عاشت منذُ آلاف السنين، لماذا عليّ أن أخشى عليها؟ وإذا كانت في طريقها للاندثار، كما يستقرئُ البعض، فلا أظنني قادراً على الوقوف في وجه مضيّها هذا، وفي الحقيقة لستُ حريصاً على الحفاظِ عليها أو المساهمة في انهيارها، يولدُ الشعرُ ويستقلّ، الجيدُ منه يحافظُ على حياتهِ لفترةٍ أطول، وهكذا. هذا ينطبقُ على الآداب والفنون كلّها

لكن، إذا كان لدينا من مسؤولية فعلاً، فإنني أشعرُ أنّ مسؤوليتنا الوقوف إلى جانبِ الناس، بأن نقدّرَ تلك الملكةَ الخاصة والحميمية التي نمتلكها وتسمّى ”الكتابة“، أن ندرك جيداً معنى القدرة على التعبير، وألا نساهم بنشرِ التزييف والزور وكلّ ما من شأنهِ أن يكون على التضادِ مع حياة الناس، ألا نكذب لا عليهم ولا باسمهم، من هنا يساهمُ الشعراء، وغيرهم من المشتغلين في الحقول الإبداعية والاجتماعية بصياغة الخطاب الثقافي، ولا أجدُ غضاضةً في أن يمارسَ الشاعرُ أو الكاتبُ العمل السياسي، لكنني أخشى أنّ هذا العمل، سيؤثرُ سلباً في الكتابة نفسها وفي آليات التفكير، ثمّ إنهُ قد يعني، ربما، الرؤية من زاوية واحدة، هل هذا مفيدٌ للكتابة؟ لا أعرف حقيقة.

- بعيدًا عن الأدب، هل هناك أشكال فنية أخرى مثل (الموسيقى) أو (الفنون البصرية) أو (السينما) تُلهم شعرك؟ كيف تتجلى هذه التأثيرات البينية في عملك؟

كلّ الأشكال الفنية تتكامل، ذلك أنّ الفنّ لا يعبّرُ عن الفنّ، إنهُ يعبّرُ عن الإنسان، سواء مجموعة بشريّة يعبّرُ عنا الشكلُ الفني ويطرح ما يهمّها، أو مُنتِجاً للشكل الفني نفسه؛ إذ قد يقولُ مُنتجُ الشكل الفني إنه لم يكن يقصدُ التعبيرَ عن الآخرين، إنما عن نفسه، لكنّهُ بشريّ هو الآخر، وبالتالي فالتكاملُ بين الأشكالِ الفنية قائم لا بدّ، ذلك أنّ الأفكارَ البشريّة تُلهمُ البشريّة كلّها. التفكير هو المفتاح. نحن نفكّر، هذا يعني أنّ أي شيءٍ يُمكنُ أن يكون ملهماً لإنتاجِ شكلٍ فنيّ ما، أيّ شيء. لا الفنون الأخرى فحسب. كيفَ لا تُلهمُكَ حبّةُ الطماطم؟! كيف لا تفكّرُ بمراحلِ نموّها وزهرتها الصفراء التاجيّة الملامح، كيف لا تفكّرُ بتكوّرها وتلوّنها؟ كيف لا تُلهمُكَ حبّةُ رمّانٍ لم تُقطف فتفسخّت على غصنِ الشجرة، كيف لا يدفعكَ هذا للتفكيرِ ملياً بأهميّة الخروجِ عن الغصن؟!

كلّ شيءٍ يمكنُ أن يكون ملهماً إذا فكّرت. التفكيرُ هو الذي يحلُّ اللغز.

الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).