القوى العظمى تنفتح في صراعاتها على كافة الخيارات في 2021
نزاعات على الهيمنة والمصالح والنفوذ وتحرشات متبادلة في البر والبحر والفضاء
اقترب العالم من الانزلاق إلى حرب شاملة في نقاط جغرافية عدة في عام 2021 مع دخول صراعات القوى الأربعة الكبرى (الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين)، مرحلة المواجهة المفتوحة، واحتدام نزاعاتها على السيطرة على النفوذ السياسي والتجارة الدولية. لكن الدبلوماسية سرعان ما كانت تتدخل في اللحظات الأخيرة لتفكيك قنابل الانفجار الوشيك، وسجلت الدبلوماسية نجاحاً في إبعاد العالم من حافة الهاوية وحافظت على الخلافات المحمومة في إطار التنافس والحوار في مجالات السياسة والتجارة والأمن. وبشكل عام فقد كان هناك عدد من بؤر التوتر شكلت في مجموعها نقاطاً ساخنة للاستقطاب العسكري والسياسي بين الخصوم الأربعة الأقوياء.
ويمتد هلال الأزمات هذه من منطقة البحر الميت، واهتزازات الأوضاع الأمنية على حدود أوكرانيا القريبة من روسيا، مروراً بمنطقة الحرب الهجينة على حدود بولندا وروسيا البيضاء، وصولاً إلى بحر الصين الجنوبي ونزاع السيادة في تايوان.
بلغت الأزمة الأوكرانية ذروة جديدة مع تقارير الحشود العسكرية الروسية على حدودها وتزايد المخاوف من عملية اجتياح واسع النطاق.
وتكمن مأساة أوكرانيا في أنها ظلت أسيرة لوضعها الجغرافي الذي يجعلها منطقة هشاشة للنفوذ الروسي وغير قادرة على الحصول على عضوية حلف شمال الأطلسي، لأن روسيا تعتبر هذه الخطوة تهديداً مباشراً لأمنها القومي، على غرار التهديد الكوبي للولايات المتحدة إبان الحرب الباردة.
على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أن أي غزو من قبل روسيا لأوكرانيا ستكون له «عواقب اقتصادية وخيمة»، فقد استمر الحشد العسكري لموسكو على حدود الجمهورية السوفييتية السابقة، في تصعيد يهدف إلى ممارسة المزيد من الضغوط.
تقدر وكالات المخابرات الغربية أن روسيا لديها بالفعل ما يصل إلى 175 ألف جندي يتمركزون بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، إلى جانب الدبابات والمدفعية.
قال قائد الجيش البريطاني الأدميرال السير توني راداكي: «إن أهمية أسوأ السيناريوهات المتعلقة بالغزو الشامل تتمثل في أنه سيكون على نطاق لم نشهده في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية».
كما حذر مسؤول استخباراتي غربي كبير من أنه إذا قررت روسيا غزو أوكرانيا، فقد يمتد الصراع إلى أوروبا. وقال إن مجرد التفكير في إمكانية احتواء الحرب داخل أمة واحدة سيكون حماقة كبرى.وصوت البرلمان الأوكراني منتصف ديسمبر/كانون الأول، لصالح قانون يسمح بانتشار نحو أربعة آلاف من قوات «الناتو» في أراضي أوكرانيا، ومن بينهم 2000 أمريكي، خلال عام 2022، وزيادة عدد طائرات ومروحيات «الناتو» من عشرة إلى أربعين خلال العام المقبل. ويسمح هذا القانون بزيادة عدد سفن دول «الناتو» في المياه الإقليمية الأوكرانية إلى عشرين سفينة. ومن المقرر أيضاً إجراء تسع مناورات عسكرية بمشاركة قوات أجنبية خلال العام المقبل.
ضمانات الأمن الروسي:
تم طرح قضية الضمانات الأمنية للمرة الأولى خلال القمة الافتراضية بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين. وعرض بوتين مبادلة مخاوف الغرب من غزو عسكري روسي محتمل لأوكرانيا، بتعهدات من حلف «الناتو» برفض عضوية أوكرانيا وإبعاد قوات الحلف من الحدود الروسية.
وفي منتصف ديسمبر كشف الكرملين، فحوى وثائق تضمنت تفاصيل الضمانات الروسية المطلوبة، بعثتها القيادة الروسية إلى البيت الأبيض. واشتملت الضمانات التي طلبتها روسيا امتناع الولايات المتحدة عن إنشاء قواعد عسكرية في أي دولة من دول الاتحاد السوفييتي السابق ليست عضواً في حلف شمال الأطلسي، أو استخدام بنيتها التحتية في أي نشاط عسكري أو تطوير تعاون عسكري ثنائي معها.
كما اشترطت موسكو أن يتعهد كل أعضاء حلف شمال الأطلسي على عدم الاستمرار في توسيع الحلف، وعدم القيام بأي نشاط عسكري على أراضي أوكرانيا وفي بلدان أخرى من أوروبا الشرقية وجنوب القوقاز وآسيا الوسطى، والتعهد بعدم ضم هذه البلدان إلى عضويته. كما تضمنت أيضاً اشتراطات بعدم نشر صواريخ متوسطة وأقصر مدى في أماكن يمكن أن تصيب منها أراضي الجانب الآخر، وعدم إجراء تدريبات بأكثر من لواء عسكري واحد في منطقة حدودية متفق عليها، وتبادل المعلومات الخاصة بالتدريبات العسكرية بشكل دوري.
وتعتبر روسيا هذه الضمانات وسيلة لنزع فتيل التوتر وتفادي المواجهة العسكرية وطريقاً لاستئناف التعاون الروسي الغربي في القضايا المختلفة.
بينما أبدت الولايات المتحدة نوعاً من المرونة واعتبرت أن بعض الاقتراحات مفيدة وأن الروس يعلمون أن بعضها الآخر غير مقبول، اعتبر خبراء الاقتراحات الروسية غير واقعية وسينظر إليها الأمريكيون على أنها جولة دعاية لتحويل الأنظار عن تصرفات موسكو وتسليط الضوء على سلوك حلف شمال الأطلسي.
حرب هجينة في حلبة الصراع:
تفجرت أزمة مهاجرين جديدة على الحدود بين بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وبولندا ولتوانيا، واتهمت الدول الغربية نظام الرئيس البيلاروسي الكساندر لوكاشينكو، باستغلال حشود المهاجرين الجدد «سلاحاً جيوسياسياً» في حرب هجينة ضد الاتحاد الأوروبي من أجل الاعتراف بنظامه وتخفيف العقوبات المفروضة عليه.
لم تكن موسكو، بعيدة عن هذه الأزمة الحدودية بسبب قربها الجغرافي من أوكرانيا.
وأقيمت الحواجز ونشرت قوات عسكرية على المنطقة الحدودية لمنع المهاجرين من الدخول إلى بولندا ولتوانيا. ولقي عشرات المهاجرين القادمين من دول شرق أوسطية حتفهم في «المنطقة العازلة المحصورة بين قوات بيلاروسيا التي تمنعهم من العودة والقوات البولندية التي تمنعهم من الدخول، بينما كانت محاولات إشعال الأزمة أو إطفائها تجري على قدم وساق بين الدول المتنافسة.
ووصف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وسكرتير عام حلف «الناتو»، الأزمة على حدود أوروبا الشرقية بأنها «حرب هجينة» تخوضها بيلاروسيا. فيما قال رئيس الوزراء البولندي ماتيوش مورافيتسكي إنها تشكل «أكبر محاولة لزعزعة استقرار أوروبا» منذ الحرب الباردة. واتخذت الأزمة أبعاداً مختلفة، لكنها لم تقترب من التسبب بنشوب صراع مسلح على الرغم من التهديدات التي أطلقتها الأطراف المنخرطة في الصراع.
على الرغم من تراجع حدة الأزمة في الشهر الأخير من العام الذي يوشك على طي أوراقه، مع عودة العديد من المهاجرين الذين حاولوا اقتحام الحدود إلى بلادهم، إلا أن ظلالها ظلت تسمم الأوضاع في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وقال المتحدث باسم القوات البولندية الخاصة إن بلاده تقدر أن نحو 10 آلاف مهاجر أو أكثر ربما يظلون في بيلاروسيا، ما يثير احتمال حدوث المزيد من المشكلات.
تنازع السيادة في البحر الجنوبي:
يشهد مضيق تايوان توتراً متزايداً بين الصين وتايوان، المدعومة من الولايات المتحدة. وتقول مجلة «ناشيونال إنترست» إن الصين تستعد للحرب، وإن هناك تقارير تفيد بوجود أنشطة عسكرية صينية تبدو وكأنها استعداد لعمل عسكري محتمل في مضيق تايوان. وظل التوتر قائماً طوال عام 2021، في هذه المنطقة الحيوية ودأبت الصين من جهة ودول المنطقة الصغيرة في آسيا والولايات المتحدة و«الناتو» من جهة أخرى على تبادل التهديدات والاتهامات الغاضبة حول التحركات العسكرية لفرض أمر واقع جديد أو إنهاء أمر واقع قائم وغير مرغوب فيه.
وفي هذا الخصوص أعلنت الصين أن شهر نوفمبر/تشرين الثاني، شهد أكبر عدد من «الخروق» الأمريكية على حدودها البحرية، وقالت إن الولايات المتحدة، نفذت أكثر من 94 رحلة جوية استطلاعية على حدودها. وتقول بكين إنها رصدت 10 طائرات أمريكية قرب الحدود في الرابع من نوفمبر وحده وهو أكبر عدد من الرحلات الاستطلاعية يتم رصدها خلال يوم واحد. كما أن مجموع عدد الاختراقات الأمريكية في نوفمبر يفوق بنسبة 30 في المئة العدد الذي تم رصده في نفس الشهر من عام 2020.
سباق أسلحة فرط صوتية
اندفعت الأطراف الدولية المتنافسة لتخوض سباقاً جديداً في مجال الصواريخ النووية الفرط صوتية. وأعلن وزير القوات الجوية الأمريكي فرانك كيندال أن الولايات المتحدة في سباق تسلح مع الصين في هذا المجال. وأضاف أن الصينيين كانوا يخوضون هذا السباق بشكل شرس، مشيراً إلى أنها لم تفعل ما يكفي للحاق بالصين بينما كانت تصرف الأموال على عملياتها في العراق وأفغانستان.
وذكرت فاينانشيال تايمز، أن بكين أطلقت في أغسطس/آب صاروخاً قادراً على حمل رأس نووي حلق حول الأرض على مدار منخفض قبل الهبوط صوب هدفه الذي أخفقه بفارق 32 كم. وقالت إن عملية الإطلاق تمت بواسطة صاروخ من طراز «المسيرة الطويلة»، وهي صواريخ تعلن الصين عادة عن إطلاقها في حين بقيت العملية هذه المرة سرية. وكشفت الصحيفة أن هذا التقدم الذي حققته الصين على صعيد الأسلحة الفرط صوتية «فاجأ الاستخبارات الأمريكية».
وأعلنت الولايات المتحدة أنها اختبرت صاروخاً يطير بسرعة هائلة تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف وخصائص تقنية مبتكرة، في منافسة مباشرة مع روسيا التي أجرت تجربة إطلاق من غواصة في البحر لصاروخ فرط صوتي أطلقت عليه اسم «تسيركون»، معتبرة أنه «لا يُقهر». وتتباهى روسيا بتطوير عدد من الأسلحة «التي لا تقهر»، بينها صاروخ كينجال فوق الصوتي المخصص لسلاح الجو وصاروخ «بورفيستنيك» المجنّح المزود بمحرك نووي.
ويؤكد الخبراء أن السلاح فرط الصوتي، وعلى الأخص الصواريخ الفائقة السرعة، يجعل أسلحة أخرى مثل سفن السطح، أشياء غير مُجدية في مسرح العمليات؛ لعدم قدرتها على حماية النفس من هجوم الصواريخ التي تعادل سرعتها أضعاف سرعة الصوت. وقد حذروا من احتمالات أن تمهد التكنولوجيا الجديدة لاندلاع حرب عالمية جديدة؛ لأن هذه الأسلحة قد توحي بأن مَن يعتدي على الآخر لن يواجه رداً، لأنها المعتدى عليه من القدرة على الرد.
«نوردستريم 2» في صلب المعركة
في العاشر من سبتمبر/أيلول أعلنت شركة غاز بروم الروسية العملاقة للطاقة اكتمال مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، الذي يمر تحت مياه بحر البلطيق لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا. وكان إنجاز المشروع تأخر مرات عدة؛ بسبب معارضة واشنطن وخلافات أوروبية، وسط مخاوف استخدامه ك«سلاح جيوسياسي خطِر». وحدث ذلك بالفعل مع دخول النزاع الأوكراني طوراً جديداً مع نهايات العام 2021.
ومتى دخل الخدمة فسيضاعف نورد ستريم 2 قدرات نورد ستريم 1. وهو سيتيح الالتفاف على أوكرانيا المستخدمة أراضيها حالياً ممراً لعبور كميات كبيرة من الغاز الروسي إلى الاتحاد الأوروبي، مما سيحرم كييف من مداخيل ومن ضمانة الحصول على الغاز. لكنه يبقي أوروبا رهينة لواردات الغاز الروسي.
وفي أوج الأزمة بين الغرب وروسيا كان مشروع الغاز الذي لم يبدأ العمل الفعلي محل تجاذبات الأطراف المختلفة، وحاولت بيلا روسيا التهديد بوقف المشروع ضمن محاولات الضغط بعد العقوبات التي فرضها عليها الاتحاد الأوروبي، على خلفية قضية المهاجرين، لكن روسيا ردت عليها بحزم، وطلبت إبقاء المشروع بعيداً عن المناورات.
لكن ألمانيا اتخذت موقفاً أكثر تشدداً، وهدّد المستشار الألماني الجديد أولاف ب«عواقب» محتملة على أنبوب غاز «نورد ستريم 2»، الذي يربط روسيا بألمانيا، في حال غزت القوات الروسية أوكرانيا. كما حذر نائب المستشار ووزير الاقتصاد الألماني من حزب الخضر، روبرت هابيك من «عواقب وخيمة» قد تشمل أنبوب الغاز «نورد ستريم 2»، في حال شنت روسيا هجوماً ضد أوكرانيا. وتعتبر الولايات المتحدة أن مشروع بناء نورد ستريم 2 جزء من خطط الكرملين لاستخدام الغاز كسلاح لتقسيم الحلفاء الأوربيين، ولكن يبقى احتمال ضئيل بأن يتم حظر هذا الخط.
المصدر: الخليج
0 تعليقات