يسابق الرسام والكاريكاتيريست محمد الخو الزمن للقاء عشاق الفن والصورة من زوار مدينته المفضلة شفشاون، المدينة الساحرة، كما ينعتها، عبر عروضه الفنية المتكررة بالمدينة.
فقد غدت ملتقى الأصدقاء والأحباب، يقول الفنان محمد الخو للجزيرة نت "أجد فيها جزءا من هويتي ورائحة أمي، تلهمني ألوانها ويلائمني مناخها الجبلي".
شفشاون المدينة الصغيرة المساحة، والعريقة التاريخ، والذائعة الصيت، تعد اليوم إحدى الوجهات السياحية المفضلة للمشاهير وعشاق السفر من كل العالم، تكتسح صورها مواقع التواصل الاجتماعي، وتتحدى ببساطتها كبريات الوجهات السياحية.
تتربع شفشاون بقلب الجبل، وترصعه بمبانيها التراثية ذات اللمسة الأندلسية الأصيلة. بلونها الأزرق، ألهمت كبار الفنانين والمبدعين، وجذبت عشاق الصورة والرسامين، وبأصالتها وبساطتها، نفذت لقلوب محبيها وجذبت السياح من كل حدب وصوب.
ما الذي يميز شفشاون؟ كيف تصل إليها وتحظى بالتجربة؟ ما أهم الأماكن التي تستحق مرورك عند زيارتها؟ تفاصيل وأمور أخرى نبسطها بين يديك في طريقك للجوهرة الزرقاء.
بأزقتها الضيقة ومعروضاتها التقليدية، تحولت شفشاون لمتحف مفتوح ومعرض دائم للوحات الفنية (الجزيرة)
ألقاب وتصنيفات
يشتق اسم "شفشاون" المعروفة محليا بـ"الشاون" من المكون الأمازيغي الأصلي للمغرب، ويشير إلى قرون الجبال التي تحيط بها، فإن أول ما يميز شفشاون موقعها بحضن الجبال.
لُقبت بعروسة الجبل والجوهرة الزرقاء وغرناطة الصغرى، وياسمينة الجبال، وقديسة الجبل، وجنة الربيع. وقال عنها العلامة والمؤرخ الحسن بن مسعود اليوسي في سنة 1080 "شفشاون مأوى الشمم.. والمجد عن طول الأمم".
تقدم وجهة شفشاون وضواحيها للزائر تجربة سياحية تشمل الاستمتاع بالمناظر الطبيعية المتنوعة، والتعرف على تاريخ وثقافة المنطقة، والاسترخاء في أجواء هادئة بعيدا عن صخب المدن الكبرى.
المدينة الزرقاء تسحر زائرها بنسيجها العمراني واعتناء أهلها بجمالية الأزقة وأبواب المنازل (غيتي)
تطالعك شفشاون في أول لقاء بلون الزرقة، حيث تمتاز بيوت شفشاون بلون أزرق سماوي هو مزيج مادة الجير وصبغة النيلة الطبيعية، حيث كانت نساء المدينة يصبغن الأبواب والمساحات القريبة من مخرج المنزل بالزقاق، فيغدو كله نظيفا وملونا.
وتحتل شفشاون مراتب متقدمة في تصنيفات السياحة الدولية، وتتبوأ في كثير منها الصدارة، حيث جاءت حسب الموقع العالمي المتخصص في السياحة والسفر "تن بست دوت كوم" (10best.com)، في المرتبة الثالثة في قائمة 10 أجمل مدن سياحية في العالم، تمتاز بأزقتها الهادئة وبمبانيها ذات اللون الأزرق، مما يمنحها جاذبية كبيرة.
وكانت شفشاون قد حلت في المرتبة السادسة ضمن أكثر مدن العالم جمالا، متقدمة على العاصمة الفرنسية باريس في تصنيف أعلنته بوابة "كوندي ناست ترافلر" (Conde Nast Traveller) المتخصصة في السفر، التي تعتمد على معايير المعمار والفن والموقع الإستراتيجي والطبيعي في تصنيف المدن الأجمل في العالم.
لمدينة شفشاون سمعة سياحية دولية بفضل أزقتها الهادئة ومبانيها ذات اللون الأزرق السماوي (غيتي)
الإبهار البصري
يقول الفنان المغربي محمد الخو، في حديثه للجزيرة نت، إن ما يهمه أكثر في شفشاون هو الضوء "نتصيد الضوء، أو بالأحرى ثنائية الظل والضوء"، ويوضح أن الضوء المسلط على الأزقة الضيقة المطلية بالأزرق يخلق نمطا بصريا جميلا، ويجعل تباين الظل والضوء مركزا بشكل جيد.
وأدرج موقع السفر "تريبسافي" (Tripsavvy) الأميركي مدينة شفشاون في صدارة قائمة 10 مدن عالمية، تنبض بالألوان، وتتيح لزائرها فرصة للتمتع بتجربة سياحية نابضة بالحيوية والإبهار البصري.
واختارت مجلة فوربس الأميركية صور منازل "الجوهرة الزرقاء"، شفشاون، ضمن قائمة أفضل الصور التي التقطها السياح، وتم نشرها على موقع إنستغرام للتواصل الاجتماعي.
فلا تستغرب إن وجدت في المدينة الزرقاء رسامين يبسطون عدة رسمهم، ويرسمون الأبواب والأزقة في تماهٍ مع المكان، أو عارضات أزياء يتنافسن في وضعيات التصوير، وقد تصادف عرائس بزي الزفاف يؤرخن للحدث في أزقة شفشاون.
من شرفة أحد المطاعم بساحة "وطا الحمام" وتظهر الصومعة الثمانية للمسجد الأعظم (الجزيرة)
أصالة التاريخ والعمران
شفشاون هي مدينة أسسها الأمير مولاي علي بن موسى بن راشد سنة 1471 ميلادية، بما تشمله من حمام وفرن وجامع كبير، إلى جانب القصبة التي شكلت ثكنة عسكرية، في حين يؤكد مؤرخون أن المدينة تأسست لتكون رباطا جهاديا لمواجهة الغزو الصليبي الإيبيري بعد سقوط سبتة.
وحسب كتاب "من تاريخ شفشاون" لمؤلفه طه بن الفاروق الريسوني، بعدما استهل علي بن راشد مشروعه العمراني بتأسيس حومة السويقة وبأعلاها دار المخزن القصبة حاليا وحلاها برموز السلطة بتهيئة المشوار والسجن وثكنات الجيوش وأروية الخيل والدواب، بادر ابنه لتوسيع المجال العمراني لاستقبال أهل الأندلس الفارين من بطش محاكم التفتيش، علاوة على السماح للنازحين الأندلسيين ببناء حي ريف الأندلس.
وبنى أهل الأندلس (الموريسكيون) في شفشاون مسجد الأندلس، وكانوا قد جلبوا معهم الموسيقى الأندلسية وفن الطبخ وتصفيف الورود والزهور والهندسة المعمارية التي ميزت المدينة ودروبها العتيقة.
ويطبع النمط الأندلسي عمران المدينة وأزياءها، يقول الخو "الناس بشفشاون يتشبثون بهندامهم الأصيل في كل الأوقات، لم يفرطوا في أصالتهم وهذا سبب إقبال الناس عليهم".
أصالة التاريخ والعمران
شفشاون هي مدينة أسسها الأمير مولاي علي بن موسى بن راشد سنة 1471 ميلادية، بما تشمله من حمام وفرن وجامع كبير، إلى جانب القصبة التي شكلت ثكنة عسكرية، في حين يؤكد مؤرخون أن المدينة تأسست لتكون رباطا جهاديا لمواجهة الغزو الصليبي الإيبيري بعد سقوط سبتة.
وحسب كتاب "من تاريخ شفشاون" لمؤلفه طه بن الفاروق الريسوني، بعدما استهل علي بن راشد مشروعه العمراني بتأسيس حومة السويقة وبأعلاها دار المخزن القصبة حاليا وحلاها برموز السلطة بتهيئة المشوار والسجن وثكنات الجيوش وأروية الخيل والدواب، بادر ابنه لتوسيع المجال العمراني لاستقبال أهل الأندلس الفارين من بطش محاكم التفتيش، علاوة على السماح للنازحين الأندلسيين ببناء حي ريف الأندلس.
وبنى أهل الأندلس (الموريسكيون) في شفشاون مسجد الأندلس، وكانوا قد جلبوا معهم الموسيقى الأندلسية وفن الطبخ وتصفيف الورود والزهور والهندسة المعمارية التي ميزت المدينة ودروبها العتيقة.
ويطبع النمط الأندلسي عمران المدينة وأزياءها، يقول الخو "الناس بشفشاون يتشبثون بهندامهم الأصيل في كل الأوقات، لم يفرطوا في أصالتهم وهذا سبب إقبال الناس عليهم".
جبل وبحر وليل
يقول الخو إن شفشاون تستحق الزيارة لمناخها الجبلي وتصلح للسفر العائلي، وتوفر فضاءاتها متعة السمر الليلي والفرجة في جو آمن.
ناهيك عما توفره المدينة لزوارها من أماكن مثل "راس الما" (منبع ماء طبيعي) الذي يؤثث الفضاء بخرير مياه يميز صوت المدينة، وساحة "وطا الحمام"، والمدينة العتيقة التي تعتبر متحفا مفتوحا على السماء بأزقتها الزرقاء المزينة بعناية بالمنتجات اليدوية والشتائل والمزهريات واللوحات، وشرفة جامع بو زعافر المطلة على المدينة ومساءات الغروب بها تحت أنغام الموسيقى، تحيط بشفشاون متنزهات طبيعية توفر فضاء لعشاق الطبيعة.
موقع شفشاون ذات الجبلين، تحيطها بيئة طبيعية استثنائية عذراء، حيث توفر شفشاون مسارات للمشي بمتنزه تلسمطان (وهو محمية وطنية تضم عديدا من الأماكن الخاصة بالتنزه في الهواء الطلق مع وجود المناظر الطبيعية الخلابة، والعشرات من أنواع الطيور والحيوانات البرية الأليفة)، ومتنزه بوهاشم (محمية طبيعية يمتد على مساحة 8 آلاف هكتار)، ويتبع إلى شفشاون مع مساحات أخرى منه تنتمي إلى تطوان والعرائش، كما يتميز بوجود عديد من القمم الجبلية، ويعد مكانا مناسبا لعشاق السياحة الجبلية وسط غابات الأرز، والتنوب والصنوبر.
ولعشاق المغامرة، توجد رياضات الجبل من تسلق ومسارات الدراجات الرباعية، وعلى مقربة من المدينة توجد شلالات أقشور، حيث "الجسر الإلهي" الشهير (القنطرة د ربي) وهو قوس طبيعي بارتفاع 80 قدما.
أما عشاق البحر، فضمن العرض السياحي بشفشاون ساحل البحر الأبيض المتوسط في كل من شواطئ: اسطيحات، اشماعلة، ترغة، قاع اسراس، أزنتي، سيدي يحيى أعرب، أمتار، تغسة، وشاطئ الجبهة.
هناك متسع لعشاق المشي والرياضات الجبلية في المنطقة الجبلية المحيطة بشفشاون (الجزيرة)
بكم كل هذا الجمال؟
صنف موقع "إنسايدر منكي" (Insider Monkey) المتخصص في التحليلات المالية والاستثمارية مؤخرا، مدينتي طنجة وشفشاون في خانة الوجهات السياحية الأرخص على مستوى القارة الأفريقية، واعتمد الموقع في تصنيفه لهذه المدن على مؤشرات تكلفة الإقامة، والطعام، والتنقلات.
وتقدم شفشاون تجربة سياحية جذابة بأسعار معقولة، حيث توجد بالمدينة فنادق مصنفة ودور ضيافة يتراوح سعر الليلة فيها من نحو 10 دولارات إلى 100 دولار، مع توفر شقق مفروشة للإيجار للعائلات بأسعار تتراوح بين 25 دولارا و50 دولارا، بالإضافة إلى إمكانية التخييم لعشاق المبيت بالخيم.
وقد تعززت ضواحي المدينة بعديد من المآوي بكل من مناطق: تنقوب، وباب تازة، وتلمبوط، والدردارة، وغيرها.
وشفشاون قريبة من مدينتي طنجة وتطوان، ويُمكن للسائح الأجنبي النزول في مطار إحدى المدينتين أو عبر ميناء طنجة المدينة أو عبر ميناء طنجة المتوسط، ثم التوجه إلى شفشاون عبر الحافلة أو سيارة أجرة في رحلة لا تتعدى 3 ساعات على أكثر تقدير.
وربما لا تحتاج داخل شفشاون لوسيلة نقل وتكتفي بالتجول راجلا، أما للوصول لضواحيها فتوجد في المدينة حافلات أجرة كبيرة تربط شفشاون بالمدن الكبرى والقرى المجاورة، وتوجد بجوار مسجد الحسن الثاني، وشارع عبد الكريم الخطابي، وشارع مولاي إدريس، وأمام الجامع الحديث لمولاي عبد الرحمن الشريف، والتاكسي الرابط بين شفشاون وأقشور يوجد عند تقاطع شارع محمد الخامس بزنقة غزوة بدر.
وإذا زرت شفشاون، لا تنس أن تشتري الفواكه الطازجة وجبن المعز الطري من النساء القرويات، وأن تتذوق زيت الزيتون البكر، وطاجين الأنشوبة "تاغرا"، وطبق البايلا ذا الأصول الأندلسية، وتمتع بنكهة الطبخ المتوسطي وباقي أنواع الأكلات المغربية.
وتصلح شفشاون سواء لسفر العائلات أو الأفراد أو المجموعات السياحية وكذا للسفر الثقافي المعرفي والديني، ورغم أنها تمتاز بشتاء قاس، فلها عشاقها خلال هذا الفصل، في حين تصل الدينامية السياحية فيها إلى أوجها خلال الصيف، لتبقى تجربة الربيع هي الأجمل.
المصدر: الجزيرة نت
0 تعليقات