نشأته في المدن الساحلية

تختلف الآراء حول تفاصيل أصول الرامن، ولكن القصة الأكثر تداولًا هي أنه نشأ من أطباق النودلز المصنوعة من القمح التي جلبها المهاجرون إلى اليابان من مقاطعتي فوجيان وقوانغدونغ الصينيتين في أوائل القرن العشرين.

اكتسب طبق الرامن شهرة واسعة في مناطق مثل يوكوهاما ومنطقة هاكاتا في فوكوؤكا، اللتين لهما تاريخ طويل كمدن ساحلية. يُعرف هذا الطبق أيضًا باسم تشوكا سوبا (”السوبا الصينية“)، وقد كان هذا الطبق عنصرًا أساسيًا في المطاعم الصينية. كانت الأصناف الأولى للرامن بسيطة المظهر وتتميز بمرق خفيف نسبيًا يعتمد على صوص الصويا.

طبق من الرامن تم إعادة تقديمه من قائمة مطعم أساكوسا رايرايكن، الذي يعتبر أقدم مطعم رامن في اليابان. وفي عام 2020،  ترأس متحف شين يوكوهاما للرامن مشروعًا لإعادة إحياء النكهة الأصلية (© متحف شين يوكوهاما للرامن) 

في السنوات الأولى التي أعقبت الحرب، ظهرت أكشاكًا تبيع أطباق الرامن في العديد من الأسواق السوداء التي انتشرت في جميع أنحاء البلاد. لجأ أصحاب هذه العربات إلى العزف على آلة نفخ موسيقية خشبية تسمى ”شاروميرا“ لجذب الانتباه إلى أكشاكهم. 

كان العملاء المفتونون بالألحان الصغيرة يتجمعون ليلة بعد ليلة للاستمتاع بالطبق المغذي اللذيذ، وقد ساعدت أسعار الرامن المعقولة على اكتسابه شهرة كبيرة في وقت الندرة والحاجة.

عربة لبيع تشوكا سوبا في عام 1933 (© كيودو)

انتشرت عربات الرامن في جميع أنحاء البلاد وكانت عاملًا أساسيًا في التطور اللاحق للأصناف الإقليمية المختلفة التي ظهرت بعد ذلك.

في عام 1947، ابتكر مطعم ”سانكيو“ في كورومى، مرق التونكوتسو عن طريق الخطأ بعد ترك كمية من عظام لحم الخنزير تنقع لفترة طويلة. وقد لاقت النكهة الجديدة نجاحًا كبيرًا، وأصبح الحساء الأبيض الكريمي معيارًا لرامن كيوشو.

اكتسبت عربة أخرى في منطقة ناغاهاما في فوكوؤكا شعبية كبيرة بسبب النوديلز الرفيعة التي يتم طهيها في وقت قصير، وهذه الميزة السريعة جذبت عمال المنطقة المشغولين. أدى تقصير وقت الغليان إلى إنشاء قوام باريكاتا شبيه بآل دينتى (طريقة طهي المكرونة الإيطالية)، وشجعت الوجبات الأصغر حجمًا الزبائن على إعادة طلب شراء عبوات النوديلز (كائيداما)، مما أدى إلى ظهور نمط محلي فريد من رامن تونكوتسو.

أدت الأكشاك التي ظهرت حول محطات الترام في عاصمة واكاياما إلى ظهور أسلوب الرامن المحلي الذي يعتمد على صلصة الصويا والتونكوتسو. وفي سابورو، استوحى كشك” آجي نو سانبي“ من حساء الميسو ليطور ما أصبح بعد ذلك أسلوب رامن الميسو الذي انتشر في المدينة. ظهرت هذه الأنواع وغيرها من أصناف الرامن المحلية التي أصبحت مشهورة في جميع أنحاء اليابان- لأول مرة- في أكشاك متواضعة. 

رامن ميسو من مطعم سومير الشهير في هوكايدو (© ياماكاوا دايسوكى)

وصول الرامن للعالمية

مع نمو ملكية أجهزة التلفزيون بدءًا من السبعينيات، بدأ الجمهور في التعرف على أنواع الرامن المحلية، مما أدى إلى حدوث طفرة في طبق النودلز الذي استمر من أواخر الثمانينيات إلى التسعينيات. حاولت المحالّ التي تصطف على جانبي الشوارع في طوكيو وأماكن أخرى جذب الزبائن، مما رفع الستار عن فترة من المنافسة الشرسة التي وُصفت ب ”حرب الرامن“.

في ذلك الوقت، أصبح مطعم ”توساكّو“ للرامن المصمم على طراز كوتشي في منطقة إيتاباشي بطوكيو - والذي يُقال إنه يحتوي على أكبر تجمع لمحلات الرامن في اليابان - يحقق نجاحًا كبيرًا مع حشود من المتحمسين لتجربة الرامن، أحيانًا أكثر من 1000 شخص في الليلة الواحدة، يزورون المطعم، الذي ظل مفتوحًا حتى الساعات الأولى من الصباح. وقد لفتت مشاهد طوابير الزبائن المصطفة وسائل الإعلام، مما أدى إلى زيادة الطلب على أنواع الرامن المحلية المختلفة.

مع ترسيخ الرامن نفسه كعنصر أساسي في ثقافة الطعام في اليابان، تحول الاهتمام إلى الشخصيات التي تقدم النكهات الأكثر رواجًا في اليابان. هناك عدد قليل من الطهاة الأسطوريين الذين ساهموا في تعزيز ثقافة الرامن، وقد رحل الكثير منهم الآن. ومن بين هؤلاء ما يسمى بإله الرامن ياماغيشي كازوؤ، رئيس الطهاة في مطعم تايشوكين الأسطوري ومخترع تسوكيمَنْ (نودلز الغمس)، وسانو مينورو مؤسس مطعم شينا سوبايا، وهو شخصية صارمة ارتقت بصناعة الرامن من خلال تركيزه الشديد على معايير المكونات والإنتاج.

ياماغيشي كازوؤ (على اليسار)، مؤسس تايشوكين (© ماروناغا نورينْكاي)، مؤسس مطعم شينا سوبايا (© متحف الرامن شين يوكوهاما)

في عام 2010، ظهرت موجة من الطهاة المحترفين الجدد الذين أدخلوا تقنيات حديثة من مطابخ عالمية أخرى مثل الفرنسي أو الإيطالي، مما أدى إلى ظهور أطباق مبتكرة وجديدة من الرامن.

الممثل الرئيسي لهذا الاتجاه هو مطعم ”تشوكا سوبا غينزا هاتشيغو“ في طوكيو. يقدم المطعم الرامن الخاص به دون إضافة صلصة الصويا الحلوة، والتي تعتبر عنصرًا أساسيًا لإضافة النكهة في طبق الرامن. يتمتع ماتسومورا ياسوشي، رئيس الطهاة في مطعم هاتشيغو، بخبرة تقرب من 40 عامًا كطاهِ متخصص في المطبخ الفرنسي ورئيس سابق للطهاة في فندق كيوتو ”آنا كراون بلازا“. حيث يستخدم قاعدة من مرق البط والدجاج مع لحم الخنزير المقدد الإيطالي للحصول على النكهة، ويواصل الطهاة الذين يتمتعون بهذا المستوى من المهارة الفنية والخبرة في دفع تطور ثقافة الرامن.

لا يمكن الحديث عن ثقافة الرامن دون ذكر ما يسمى “بعشاق الرامن”، هؤلاء المتحمسون هم أول من يجدون أحدث المعلومات عن الرامن أو يجربون مطعمًا جديدًا، ويشاركون نتائج تجاربهم على المدونات وعبر وسائل التواصل الاجتماعي. تساعد جهودهم الدؤوبة – واستعدادهم للوقوف في طوابير الانتظار الطويلة - في دعم الصناعة ككل.

ولعل أعظم رمز لمساهمتهم هو رامن ”جيرو“، وهو مطعم كان متواضعًا في يوم من الأيام، وأصبح لديه الآن أكثر من 40 فرعًا، معظمها في طوكيو، وهو المفضل لدى العديد من الزبائن لأنه يسمح للعملاء بتعديل الإضافات والمكونات واختيار مستوى كثافة المرق حسب رغبتهم. يشتهر مطعم ”جيرو“ أيضًا بقواعده غير العادية مثل منع التحدث أثناء تناول الطعام وإعادة العملاء لأطباقهم الخاصة وتنظيف طاولاتهم وشكر الطاهي قبل مغادرتهم.

كان يُنظر إلى الرامن تقليديًا على أنه طبق شهي شعبي ومتواضع محبوب من قبل الجماهير، لكن شعبيته انتشرت منذ ذلك الحين إلى خارج اليابان وإلى بقية أنحاء العالم، مما جعله رمزًا عالميًا لثقافة الطعام الياباني.

في ”دليل ميشلان“ لطوكيو عام 2016، أصبح مطعم النودلز الياباني بالعاصمة، ”تسوتا“، أول مطعم للرامن يحصل على نجمة ميشلان - وأول مطعم مدرج في الدليل يتقاضى أقل من 1000 ين لكل وجبة، يوجد الآن أكثر من 60 مطعمًا يابانيًا مدرجًا في الدليل، بما في ذلك تلك الموجودة تحت تصنيف ”بيب غورميه“. أصبح الرامن ينافس السوشي باعتباره عامل جذب للسياح الأجانب، الذين يأتي الكثير منهم فقط للاستمتاع بأطباق الطعام التقليدية.

تعتمد شعبية الرامن العالمية بالكامل على تنوعه، كل مزيج من المكونات المحلية وطرق الطهي مع المأكولات التقليدية الأخرى قد خلق العديد من النكهات الجديدة.

ازداد تنوع الأماكن التي يمكن فيها لمحبي تناول الطعام الاستمتاع بالرامن، حيث تم افتتاح أول منتزه ترفيهي للرامن في العالم، وهو متحف شين يوكوهاما للرامن، في عام 1994. وقد مهد ذلك الطريق لافتتاح سلسلة من منشآت ”رامن يوكوتشو“ على مستوى البلاد والتي تجمع مطاعم الرامن المحلية الشهيرة من جميع أنحاء اليابان تحت سقف واحد. وكذلك هناك العديد من مهرجانات الرامن التي تتميز بأكشاك من مطاعم الرامن المحلية المختارة خصيصًا بعناية، وهي فعاليات أصبحت الآن من بين أكثر مهرجانات الطعام شعبية في اليابان وتجذب جموعًا من محبي الرامن الراغبين في تجربة أطباق خاصة الإصدار غير متوفرة في أي مكان آخر.

”إيتشيران“، اسم آخر رائد في عالم الرامن، وهي سلسلة مطاعم مشهورة تتميز بوجود فواصل بين المقاعد لخلق جو مريح للأشخاص الذين يتناولون الطعام -بمفردهم- ليتمكنوا من التركيز على نكهة الطعام، وهو أسلوب قامت بتطبيقه في فروعها خارج اليابان.

لقد سمح تنوع الرامن للطهاة بكسر القواعد، وفتح المجال أمام مجموعة متنوعة من الأساليب والترتيبات لهذا الطبق العجيب. هذه الحرية في التعبير هي أحد أعظم الأشياء الجاذبة للرامن، وهي السبب في أنه يستحوذ على قلوب محبيه في جميع أنحاء العالم.

المصدر: نيبون


الكاتب

مواضيع أخرى ربما تعجبكم

0 تعليقات

اترك تعليقاً

الحقول المطلوبة محددة (*).

الاشتراك في نشرتنا البريدية